السبت، 13 ديسمبر 2014

دور الرقابة المالية في مكافحة الفساد المالي في اليمن


دور الرقابة المالية  في مكافحة الفساد المالي في اليمن



دور الرقابة المالية
في مكافحة الفساد المالي في اليمن
محمد أحمد الحمادي

المقدمة:
إن تعزيز قيم النزاهة ونظم الشفافية والمساءلة في القطاع العام في اليمن يرتبط بشكل وثيق بوجود بنية مؤسساتية سليمة وهذه البنية مدعمة بأجهزة رقابة قوية وفاعلة تتمتع باستقلالية ومهنية ويدير هذه الأجهزة كوادر فنية متخصصة مدربة ومؤهلة أكاديمياً لشغل تلك الوظائف المهمة والخطيرة.
وبمعنى آخر إن محاربة الفساد المالي في القطاع العام يرتبط بوضع آليات وأدوات رقابية ومحاسبية مهمتها الإشراف والفحص والتدقيق والمراجعة، فحماية المال العام من العبث والاختلاس والسرقة ليس بالأمر الهين أو السهل كما قد يتصور البعض بل يتطلب ذلك جهود كبيرة عند وضع النظم المحاسبية التي تتميز بالرقابة المحاسبية الدقيقة والتي لا يستطيع أي فاسد من اختراقها.
إن ثقافة الوساطة هي من صلب ثقافة الفساد، فالمرء في بلادنا لا يصل في كثير من الحالات بكفاءته وجدارته أو مزاياه بل بواسطة أصحاب النفوذ في السلطة، حتى الأستاذ في المدرسة أو الجامعة، والطبيب في المؤسسة الصحية، وصاحب الاختصاص في لجنة فنية أو تقنية لا يصل إلى موقعه في غالب الأحيان إلاَّ بواسطة، وكذلك صاحب الحق لا يضمن حقه المشروع إلا بالواسطة ، وغالباً ما تقترن الواسطة بثمن، والثمن قد يكون مالياً أو سياسياً تدخل في حسابه اعتبارات عشائرية أو قبلية أو مذهبية أو طائفية ، فعندما يبلغ الفساد هذا المبلغ من التفاقم تتعطل إلى حد بعيد آليات الرقابة في الدولة ويختفي وازع المساءلة والمحاسبة، فالناخب اليمني لا يستطيع محاسبة النائب الذي انتخبه بل يعاود انتخابه بغض النظر عن أدائه وسمعته، بينما النائب لا يستطيع حجب الثقة عن الحكومة مهما انتقدها بأفظع  العبارات بل يصوت لها ولمشاريعها ، والحكومة لا تحاسب الإدارة مع علمها بالفساد المستشري في أوصالها لأنها هي أصلاً غير بريئة من استشرائه ، حتى هيئات الرقابة المالية والإدارية تصبح عاجزة ومعطلة ، إما بسبب الفساد الغامر الذي تجاوز في أبعاده قدرتها على المعالجة أو الضبط أو لأن الدم الفاسد أخذ يدب وينتشر في عروق بعضها.
عندما يغدو الفساد من صلب ثقافة المجتمع فمن الصعب علاجه، فالفساد لا يُنْتِجُ إصلاحاً بل ويرى في الإصلاح انتحاراً. وبذلك يشكل الفساد طوقاً يحتاج إلى من يكسره بقوة خارقة.
أولاً: مظاهر الفساد المالي:
ويعرف الفساد المالي بأنه أي تصرف يفضي إلى الاستيلاء على الموارد العامة أو الخاصة أو ابتزازها والتصرف بها خارج نطاق أغراضها ومجالاتها كما يحدث في الموازنة العامة للدولة وفي مصلحة الضرائب والجمارك([1]) . ويشمل تلك الانحرافات المالية ومخالفات القواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل المالي في الدولة ومؤسساتها.  
وتتجلى مظاهره في الرشاوى، والاختلاس، والتهرب الضريبي، وإعادة تدوير الإعانات الأجنبية والمنح للمصالح الخاصة، والعمولات الناتجة عن العقود، التلاعب والنهب للمال العام، العمولات الناتجة عن المناقصات العامة في الدولة (وخصوصاً مناقصات الإنشاءات والمباني) وهذا النوع يعتبر أكثر مظاهر الفساد انتشاراً في اليمن ويليه قطاع النفط من حيث قيمة الفساد فيه، وقد ورد في تقرير منظمة الشفافية الدولية المنشور في شهر أكتوبر 2005م أن الفساد المالي والإداري أخذ في الانتشار بصورة مذهلة في العديد من الدول فقد أكد التقرير على أن ثلثي البلدان التي شملها الاستطلاع حول مؤشر الفساد لسنة 2005م وعددها 159 دولة حصلت على أقل من خمس نقاط على سلم مؤلف من عشر نقاط (علامات) يشكل فيه الصفر أعلى مستوى للفساد وكلما اقتربت الدولة من رقم (10) تعتبر الأقل فساداً، واعتبر التقرير أن الدول التي تحصلت على أقل من (5) علامات تواجه مشكلة فساد حقيقية، ومن ضمن هذه الدول اليمن.
وقد قامت بعض المنظمات الدولية منذ عام 2003م بالضغط على اليمن لمحاربة الفساد وهددت بقطع مساعداتها وقروضها في حالة فشل وتجاهل الحكومة اليمنية محاربة الفساد وتجفيف منابعه، وفعلاً بدأت المنظمات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين بتخفيض مساعداتهما لليمن بنسبة 30% وكذا فعلت منظمة التعاون الأوروبي والمفوضية الأوروبية التي خفضت مساعداتهما أيضاً بنسبة 50% ، كذلك مؤتمر المانحين الذي عقد في لندن لمساعدة اليمن ، تخلفت الكثير من الدول بدفع ما وعدت به من مساعدات بسبب تفشي وانتشار الفساد في اليمن.
وقد بلغت تقديرات تكلفة الفساد في اليمن نحو ألف مليار ريال سنوياً، وتزيد، كما بلغت تكاليف الفساد المالي خلال عامي 2003- 2004م حوالي 960.4 مليار ريال ، ويبلغ الفساد نسبة (46.17%) من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2005م([2]).
ثانياً: أسباب الفساد المالي في اليمن:
هناك أسباب كثيرة تدفع الأشخاص إلى ممارسة الفساد بشكل عام، والفساد المالي بشكل خاص، نوجز بعض تلك الأسباب المتمثلة في الآتي:
أ- ضعف الوازع الديني: والتي تعتبر من أخطر وأهم الأسباب حيث يأتي الجهل بالأمور الدينية في مقدمة تلك الأسباب، فعندما يجهل الشخص بالحلال والحرام وتعليمات الدين الإسلامي وما سوف يلحق به وبمن يعول إذا قام بارتكاب بعض تلك الممارسات كالاختلاس والرشوة وسرقة المال العام، فلا شك أنه سوف يردعه إذا ما أدرك تعاليم دينه عن مجرد التفكير في ممارسة تلك الأخطاء، فالإسلام ركز على وازع الضمير الإنساني والتقوى بحيث يأتي الردع القانوني في مرحلة تالية.
فالبعض في اليمن نتيجة الجهل بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، يعتقد أن المال العام لا يُعد حراماً ، لأنه وبحسب اعتقادهم الخاطئ أن المال العام يخص الدولة وليس المواطن؛ والدولة عندهم تتمثل بأشخاص الوزراء والمسئولين أصحاب القصور الضخمة والسيارات الفارهة والأرصدة الخيالية، فبسبب الحالة المادية التي يعاني منها الكثير توَلَِّد في نفوسهم الحقد والكراهية وحب الانتقام من تلك الشريحة الغنية فَيَصُبُّون جَمَّ غضبهم على المال العام.
ب- الأسباب السياسية: حيث تؤكد التقارير والتجارب والدراسات أن فساد القمة سرعان ما ينتقل إلى المستويات الأدنى التي تحتمي وتتستر بقيادتها المتواطئة معها.
ويحدث الفساد السياسي في الدول غالباً خلال العملية الانتخابية واستقطاب المؤيدين.
جـ- الأسباب الاقتصادية، ومن بينها:
1.أدت الفجوة المتزايدة بفعل التضخم في اليمن بين الدخول الاسمية (النقدية) للعاملين بأجهزة الدولة واحتياجاتهم المالية الحقيقية لمواجهة متطلبات المعيشة إلى تقوية الدافع لارتكاب صور الفساد كالرشوة والاختلاس والسرقة نظراً لصعوبة سد تلك الفجوة بأساليب مشروعة.
2.إن عدم مراعاة السياسات الاقتصادية لتحقيق التوازن أو العدالة في توزيع الموارد الاقتصادية على السكان أدت إلى اختلال توزيع الدخل بين فئات وشرائح المجتمع مما دفع ذوي الدخل المحدود من الموظفين إلى مضاعفة أرباحهم ومكاسبهم ولو كان ذلك بطرق غير مشروعة.
3.ارتفاع إيجار السكن.
د- الأسباب الاجتماعية:
1.أضحى الفساد المالي من السلوكيات العادية والمقبولة في المجتمع، وهو ما ساعد على استشراء الفساد بكل صورِّه وأشكاله في جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة، وظهرت مصطلحات جديدة تشرع للفساد مثل: حق القات أو حق "بن هادي" وغيرها من المسميات التي تهين كرامة الإنسان وتحقّره.
2.وجود بعض المتغيرات الاجتماعية التي تسهم في توفير أجواء الفساد وتحفز البعض على ممارسته مثل: انتشار الواسطات والانتماءات الحزبية والقبلية والطائفية في التعامل الرسمي.
هـ - الأسباب الإدارية، ومن بين أهمها:
1.التوسع في إقامة المؤسسات والهيئات الحكومية العامة التي تتمتع بالاستقلال المالي والإداري والتساهل في اختيار القيادات الإدارية لهذه المؤسسات غير المؤهلة لإدارتها.
2.عدم مواكبة سياسات الأجور والمرتبات للظروف الاقتصادية ومتطلبات المعيشة مما يجعلها عاجزة عن توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الضرورية بوسائل وطرق مشروعة، الأمر الذي يضطر معها البعض إلى سد احتياجاتهم بوسائل وطرق غير مشروعة .
3.غياب آليات المساءلة والشفافية الداخلية والخارجية، حيث تشير آليات المساءلة الداخلية إلى الفصل بين السلطات وإقامة أجهزة رقابية فعالة ومستقلة بحيث تقوم أجهزة الدولة المختلفة بمراقبة بعضها البعض مما يخلق توازناً بين السلطات ويحول دون تمركز السلطة بشكل مفرط في أي منها.
أما آليات المساءلة الخارجية فتشير إلى القنوات الديمقراطية التي تتيح للشعب فرصة مساءلة حكومية عبر الانتخابات العامة والمحلية ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني.
ثالثاً: الرقابة المالية للحد من الفساد المالي:
الرقابة المالية: هي مجموعة من الإجراءات التي توضع للتأكد من مطابقة التنفيذ الفعلي للخطط الموضوعة مسبقاً وذلك لمعرفة الانحرافات وأسباب تلك الانحرافات بهدف مساءلة المتسبب أو علاج الضعف ومنع تكرار الخطأ.
        والرقابة على المال العام لا تقف عند حد المحاسبة وتحديد المسئولية وإنما تقدم المعونة والإرشاد والتوجيه للقائمين على التنفيذ بما يكفل الارتقاء بمستوى الأداء المالي والإداري.
وهناك نوعان للرقابة المالية هما:
الرقابة المالية الداخلية:
وهي التي تحدث داخل المؤسسة نفسها من قبل إدارة متخصصة بذلك كإدارة الرقابة والتفتيش أو إدارة المراجعة والتي تقوم برفع التقارير للمسئولين في الجهة عند حدوث أي انحرافات أو سوء تصرف للمال العام.
الرقابة المالية الخارجية:
ويقصد بها الأجهزة الحكومية المتخصصة بالرقابة والمحاسبة والفحص للمستندات وكشف ما يحدث من انحرافات واختلاسات للمال العام، ورفع التقارير بذلك للجهات، ومن تلك الجهات الرقابية الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، واللجنة العليا لمكافحة الفساد.
أهداف الرقابة المالية:
تعتبر الرقابة المالية من الأركان الأساسية في الإدارة الرشيدة، وتهدف إلى:
·  انتظام سير العمل والتأكد من أن الجهود المبذولة تحقق الأهداف التي من أجلها أُقيمت الوزارة أو المصلحة أو المؤسسة.
·  تحقيق التناسق في الإنفاق مع الاتجاهات السياسية للدولة بما يتفق مع أهداف خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
· التأكد من أن أنظمة العمل ووسائل التنفيذ بالوحدات يؤدي إلى تحقيق أكبر قدر من الإنتاج بأقل النفقات الممكنة وفي أقل وقت ممكن، وعلى جودة مناسبة، وتلافي أكبر قدر من الضياع والإسراف مع تحديد المسئولية عن الانحرافات وسوء التصرفات.
·  استخدام الاعتمادات المالية استخداماً سليماً والصرف من تلك الاعتمادات في الأوجه التي خُصصت لها.
عناصر الرقابة الفعَّالة:
لنجاح الرقابة المالية في القطاع العام لابد أن تتوفر عدة عناصر، منها:
1.دقة تقديرات الموازنة بمعنى أن تتسم تقديرات النفقات والموارد العامة بالدقة والواقعية.
2.تحديد أهداف الرقابة بما يتفق مع طبيعة العمل والأنشطة محل المراقبة في شكل منهج وتعليمات واضحة.
3.سلامة نظم المراقبة الداخلية والضبط المالي والإداري داخل الوحدة أو المؤسسة ودقة الالتزام بتطبيق النظم واللوائح والتعليمات وتطبيق القواعد التي من خلالها يصعب ارتكاب أي خطأ أو تزوير يؤدي إلى تعرض المال العام لسوء استخدام أو اختلاس.
4.ينبغي أن تكون الأجهزة الرقابية في اليمن مستقلة وتتبع السلطة التشريعية وليس السلطة التنفيذية.
5.من الضرورة تصحيح آلية وأدوات الرقابة المحاسبية على الجهات الحكومية في اليمن بحيث تطبق الرقابة المسبقة أي الوقائية والرقابة المصاحبة أثناء تنفيذ الأعمال وكذا الرقابة اللاحقة.
6.ضرورة إشراك منظمات المجتمع المدني في الرقابة على المال العام وكذا الصحافة والإعلام لفضح كل من تسول له نفسه العبث بالمال العام.
7.دراسة وتحليل الانحرافات بقصد الوصول إلى المسئول عنها والأسباب التي أدت إلى ذلك حتى يمكن الحكم على كفاءة التنفيذ وإبداء التوصيات اللازمة لعلاج أسباب الانحراف لمنع تكراره مستقبلاً.
8.حسن اختيار القائمين بالأعمال المالية والرقابية مع الاهتمام بالتدريب المستمر لزيادة كفاءتهم ورفع مستوى أدائهم وإحاطتهم بكل ما هو حديث في مجال أعمالهم.
فإذا ما تحققت الرقابة على الوجه المذكور سابقاً حصلنا على نتائج إيجابية تؤدي إلى صيانة الأموال العامة وإلى تحقيق الإنفاق السليم وفقاً للاحتياجات الفعلية للبرامج والمشروعات والأنشطة طبقاً لما هو مرسوم بالخطة والبرنامج الموضوع، بأسرع وقت ممكن وبأقل تكلفة، إلى جانب إمكانية تقديم بيانات صحيحة وكافية لإعداد تقديرات الموازنات على أساس من الخبرة والواقع.



([1]) أحمد سعيد الدهي: "الفساد في اليمن" ، مجلة أوراق يمانية المركز العربي للدراسات الإستراتيجية.
([2])أحمد سعيد الدهي: "الفساد في اليمن" ، مجلة أوراق يمانية المركز العربي للدراسات الإستراتيجية.

هناك تعليق واحد:

  1. اشكرك اخي العزيز..
    وارجوا ان تنشر ابحاث حول أدوار الرقابة الداخلية في الادارة العامة

    ردحذف