دور منظمات المجتمع المدني اليمنية في مكافحة الفساد
مـدخـل:
تعد ظاهرة الفساد ظاهرة قديمة قدم
المجتمعات الإنسانية، فقد ارتبط وجود هذه الظاهرة بوجود الأنظمة السياسية والتنظيم
السياسي، وهي ظاهرة لا تقتصر على شعب دون آخر أو دولــة أو ثقافة دون أخرى.
وتتفاوت ظاهرة الفساد من حيث الحجم
والدرجة بين مجتمع وآخر، وبالرغم من وجود الفساد في معظم المجتمعات إلا أن البيئة
التي ترافق بعض أنواع الأنظمة السياسية كالأنظمة الشمولية والدكتاتورية تشجع على
بروز ظاهرة الفساد وتغلغلها أكثر من أي نظام آخر، بينما يقل حجم هذه الظاهرة في
الأنظمة الديمقراطية التي تقوم على أسس من احترام حقوق الإنسان وحرياته العامة
وعلى الشفافية والمساءلة وسيادة القانون.
وبالرغم من أن الأسباب الرئيسية لظهور
الفساد وانتشاره متشابهة في معظم المجتمعات إلا انه يمكن ملاحظة خصوصية في تفسير
ظاهرة الفساد بين شعب وآخر تبعا لاختلاف الثقافات والقيم السائدة، كما تختلف
النظرة إلى هذه الظاهرة باختلاف الزاوية التي ينظر من خلالها للظاهرة وذلك ما بين
رؤية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وهو ما يبرر الاختلاف في تحديد مفهوم
الفساد.
وتأسيساً على ذلك فأن مكافحة الفساد
تستدعي تحديدا لهذا المفهوم كما تستدعي بيانا لأسباب انتشاره في المجتمع، وتوضيح
ابرز صوره وأشكاله، والآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة عليه، وسبل
مكافحته، وبلورة رأي عام مضاد له وبناء إرادة سياسية لمواجهته، وتبني استراتيجيات
لذلك تتناسب وطبيعة كل مجتمع.
تحديد مفهوم الفساد (تعريف الفساد):
تعرف منظمة الشفافية الدولية الفساد بأنه"
كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته
" (1)
محمد محمود ربيع واسماعيل مقلد
(محرران)، موسوعة العلوم السياسية، الكويت: جامعة الكويت، 1994
وهناك توجهات مختلفة في تعريف
الفساد، فهناك من يعرفه بأنه خروج عن القانون والنظام (عدم الالتزام بهما) أو
استغلال غيابهما من اجل تحقيق مصالح سياسية أو اقتصاديـة أو اجتماعية للفرد أو
لجماعة معينة، بينما يعرفه آخرون بأنه قيام الموظف العام وبطرق غير سوية بارتكاب ما
يعد إهدارا لواجبات وظيفته، فهو سلوك يخالف الواجبات الرسمية للمنصب العام تطلعا
إلى تحقيق مكاسب خاصة مادية أو معنوية. كما يوسع البعض مفهوم الفساد بحيث يشمل كل
سلوك يجافي المصلحة العامة.
ويعرف المشرع اليمني الفساد في المادة
(2) من قانون مكافحة الفساد بأنه، استغلال الوظيفة العامة للحصول علي مصالح
خاصة سواء كان ذلك بمخالفة القـانون أو استغلاله أو باستغلال الصلاحيات الممنوحة.
ويلاحظ أن تعريف المشرع اليمني
للفساد، كما جاء في المادة (2) من قانون مكافحة الفساد يتوافق أو يتواءم مع
التعريفات الدولية للفساد، لكن المشرع اليمني عاد وفصل الجرائم المتصلة بالفساد في
المادة (30) من نفس القانون(2).
ويعتبر الفساد خطرا وتهديدا موجها
للجميع كونه يؤثر بصورة مباشرة على الأوضاع الاقتصادية للبلاد لأنه يفضي إلى عدم
عدالة التوزيع، كما يحرم ويمنع توفير الفرص المتساوية أمام المواطنين في الحصول
على الخدمات العامة المقدمة من الدولة ومن الحصول على السلع أو المنافسة في المجال
الاقتصادي عند قيام الاحتكارات وتحالفات الهيمنة الاقتصادية. وعليه تصبح مكافحة
الفساد واستئصال شأفته مسئولية كل مكونات المجتمع، الدولة والقطاع الخاص ومنظمات
المجتمع المدني، بل لا نبالغ إذا قلنا أن مكافحة الفساد هي مهمة ومسئولية كل مواطن
معني بمناهضة الفساد ومن حقه وغيره من المواطنين تنظيم أنفسهم لمواجهة الفساد في
أشكاله المختلفة.
وفي ظل التوجهات الجديدة للحكومة
اليمنية بعد أن قامت بتطبيق برنامج الإصلاح المالي والإداري ومنذ عام 1995، والتي
كان من أولوياته اعتماد منهجية الشراكة بين كل من الدولة والقطاع الخاص ومنظمات
المجتمع المدني، إدراكاً منها أن الدولة منفردة لن تتمكن من مواجهة تحديات العولمة
وتحقيق التنمية المنشودة. ومن التصدي لمكافحة الفساد. وتظهر الحاجة ألي إشراك
القطاعين الخاص والأهلي في تحمل هذه المسؤولية، وتمثل الشراكة بين القطاعات
الثلاثة ضرورة لتعزيز دور كل قطاع، بحيث يكمل كل منها الأخر، كما تدرك منظمات
المجتمع المدني أن العمل بمفردها في المجالات الاجتماعية والتنموية وفي مكافحة
الفساد بعيدا عن مشاركة الحكومة والقطاع الخاص لن يحقق عوائد ومنافع ذات تأثير
كبير على المجتمع، ولن تتمكن إلا من القيام بأعمال صغيرة، وإنجازات محدودة، ولاشك
أن هذا الوضع سيتغير تماما إذا ما اشتركت الحكومة مع القطاع الخاص في دعم نشاط
منظمات المجتمع المدني(3)
(2) لمزيد من الإطلاع يمكن الرجوع إلى
نص المادة (30) من قانون مكافحة الفساد اليمني رقم (39) لسنة 2006م
(3) وزارة التخطيط والتنمية
بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، اليمن: تقرير التنمية البشرية
2000/2001م. ص6.
وقد جاء التأكيد العملي من قبل
الحكومة اليمنية للالتزام بمبدأ الشراكة مع منظمات المجتمع المدني في مجال مكافحة
الفساد من خلال اشتراط قانون مكافحة الفساد رقم (39) لعام 2006 في الفقرة -أ- من
المادة (9) على تمثيل منظمات المجتمع المدني في قوام الهيئة إلى جانب قطاع المرأة
والقطاع الخاص، في تأكيد صريح على أهمية المجتمع المدني في إدارة الأنشطة المختلفة
المتعلقة بجهود مكافحة الفساد، والإسهام الفاعل في رسم الإستراتيجية الوطنية
لمكافحة الفساد، وكذا وضع السياسات والآليات الهادفة إلى مكافحة الفساد.
ومن ناحية ثانية يمارس المجتمع المدني
دوراً محورياً في مكون التوعية بمخاطر الفساد، ومكون المنع والوقاية من ممارسات
الفساد، إذ أشارت الفقرة -6- من المادة (3) إلى تشجيع وتفعيل دور مؤسسات ومنظمات
المجتمع المدني في المشاركة الفاعلة والنشطة في محاربة الفساد، ومكافحته وتوعية
أفراد المجتمع بمخاطره وتوسيع نطاق المعرفة بوسائل وأساليب الوقاية منه كهدف رئيس
من أهداف القانون، كما أكدت الفقرة -3- من المادة (6) على مهمة الهيئة وصلاحياتها في
اتخاذ التدابير الكفيلة بمشاركة المجتمع المحلي ومنظمات المجتمع المدني في التعريف
بمخاطر الفساد وآثاره على المجتمع وتوسيع دور المجتمع في الأنشطة المناهضة للفساد
ومكافحته. وهو نفس المضمون الذي أشارت إليه المادة (25) بالنص على أن تعمل الهيئة
على تعزيز إسهام ومشاركة منظمات المجتمع المدني في الأنشطة المناهضة للفساد وإيجاد
توعيه عامة بمخاطر الفساد وآثاره وتعزيز ثقافة عدم التسامح مع الفساد والمفسدين.
ومن ناحية ثالثة حمل القانون في
المادة (24) المواطن اليمني مسؤولية العمل على إنفاذ القانون والمتابعة القضائية من
خلال دوره في إبلاغ الهيئة أو الجهة المختصة بوقوع أي من جرائم الفساد إذا علم
بشأنها، مع تقديم ما لدية من معلومات حولها كي تتولى دراستها والتأكد من صحتها واتخاذ
الإجراءات القانونية بشأنها.
وفي المقابل ألزم القانون الهيئة
بتوفير الحماية القانونية والوظيفية والشخصية للشهود والخبراء والمبلغين عن جرائم
الفساد.
ولجعل الشراكة المطلوبة ذات مردود
ايجابي وفعال ويحقق الفوائد المنشودة في مجال مكافحة الفساد ينبغي العمل على:
1. توزيع واضح للأدوار بين
الشركاء ووفقاً للقدرات والإمكانات، وأيضاً وفقاً لنظرية المزايا النسبية لدى كل
طرف.
2. السماح بتدفق المعلومات
بشفافية بين مختلف الأطراف الشريكة، والإعلان والمكاشفة عنها.
3. تعدد أطراف الشراكة والذي
يتيح تحقيق التوازنات بين الشركاء، والابتعاد عن هيمنة أي طرف على الأطراف الأخرى.
4. الالتزام بقواعد النزاهة
والمحاسبية والمساءلة بين جميع الشركاء.
وتأسيساً على ما سبق يكون
لمنظمات المجتمع المدني مجموعة من الأدوار ينبغي عليها القيام بها حتى تكون
شراكتها في مكافحة الفساد ممكنة وتستطيع القيام بها بما يحقق الصالح العام
باعتبار أن مشكلة الفساد في المجتمع، ليست حصرية بموظفي الأجهزة الحكومية، وحدهم بل تمتد إلى جميع قطاعات الدولة والمجتمع، ولم تكن نتيجة لإختلالات قانونية
وقضائية وضبطية فحسب، وإنما هي قيمية وكل ما ذكر، فهي جميعا وليدة النظام
الاجتماعي، في نظام ثقافته، وفي نظامه السياسي والاقتصادي والتعليمي كذلك.
وسيكون من العسير استئصال شأفة
الفساد في اليمن دون تآزر جميع المكونات المجتمعية وتضافر جهودها للقضاء على
أسبابه وعلى مولداتها، كظاهرة تكونت وتجسدت مظاهرها عبر مرحلة التحول التي أخذت في
التنامي في العقود القليلة الماضية. ولم يكن ليتفشى الفساد في مجتمعنا ما لم تتوفر
الشروط الذاتية والموضوعية لظهوره كظاهرة اجتماعية يشقى بويلاتها الكثيرون
من الأفراد والجماعات والذين يساقون إلى أوحاله طوعا أو قسرا. وللوصول إلى معالجات
فاعلة لهذا الوباء الفتاك ينبغي أن تكون المعالجات حاسمة وتشاركية وتكاملية. وبهدف
تحقيق تلك الغاية الإستراتيجية, فأن الضرورة تقتضي السعي الجاد من قبل قوى المجتمع
المدني للمشاركة الفاعلة في تطوير وابتكار آليات فاعلة لمحاربة الفساد، تتراوح بين
اقتراح القوانين واللوائح ووضع إجراءات المتابعة والرقابة والمساهمة في صياغة وإنشاء
تلك الصيغ والأدوات، وإلى القيام بإعداد وتنظيم برامج رفع الوعي الشعبي بمخاطر
الفساد وبطرق معالجته ومقاومته وبخلق ثقافة المسؤولية الاجتماعية
والأخلاقية. وتحقق منظمات المجتمع المدني ومؤسساته مهمتها المطلوبة عن
طريق الكشف عن الأوضاع الاجتماعية والأسباب الأساسية والثانوية لظهور
الفساد في المقام الأول عن طريق الدراسات والأبحاث والمسوح، كما تعمل
على تشكيل الآلية المجتمعية للتصدي لإنتاجه. ولن تكون مثل هذه المهمة يسيرة وسهلة، كونها تتطلب الجرأة على النقد والاستعداد على القبول بالنقد والعمل المتفاني
لتصحيح المسارات السلوكية في مختلف المؤسسات والنظم الاجتماعية. ولا شك أن
الاختلالات البنيوية في نظم الضبط الاجتماعي وفي منظومة القيم الثقافية هي التي
أدت إلى تفشي ظاهرة الفساد باختلال نسق القيم وبارتخاء وضعف سلطة الضبط. فالقيم في هذا المستوى من العلاقات الاجتماعية هي التي تتأثر كثيرا بفعل
عوامل الضغوط السياسية والاقتصادية، فتحوصل القيم الأنانية الفردانية بمسوغات
المبررات التي يولدها الوعي الفرداني بكيفيات الوصول للأهداف الفردانية وعن
أي طريق وبأي وسيلة، هي السبب الأول لبروز ظاهرة الفساد. كما أن ضعف سلطة القانون
وأجهزة الضبط الإدارية والتشريعية، شجع على بروز ظاهرة الفساد وعلى تناميها. ولا
يبرز الفساد كظاهرة اجتماعية، إلا إذا تجاوز الفساد نطاقات الانحراف الضيقة التي
يقع فيها الفرد. ولا يتحول الفساد إلى ظاهرة اجتماعية تنذر بالمخاطر المدمرة، ما
لم تكن آلياتها مكتملة النمو والنضج، ولا تنشأ هذه الآلية بمعزل عن الاختلالات
البنيوية في النظم الاجتماعية القائمة، وفي مكوناتها المؤسسية.
ومن أهم أدوار منظمات المجتمع المدني
في مجال مكافحة الفساد يمكن التركيز على:
تنسيق العمل وتنظيمه بحيث لا يتسبب في
تداخل وتقاطع لاختصاصات الأجهزة العامة العاملة، إذ تتحدد وظائف منظمات المجتمع
المدني في مجال النزاهة والشفافية في مجالات الرصد والتثقيف والتوعية وإعداد
الدراسات والبرامج التدريبية وتقديم الاستشارات، وتقديم المساعدات القانونية
للموظفين أو لأطرهم المتشكلة للدفاع عن المصالح العامة في مواجهة الفساد والتصدي
له كونه يؤثر بصورة واضحة على تحسين نوعية أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.
●. السعي لتحقيق التكامل بين مختلف
المهتمون بمناهضة الفساد وتنسيق الجهود حرصا على عدم إهدار الإمكانيات بالعمل في
نفس القضايا أو المجالات.
●. العمل على مواكبة النشاطات الإقليمية
والدولية والاستفادة من الخبرات والمعارف والإمكانيات للمنظمات العاملة في
مناهضة الفساد.
●. دعوة وتشجيع المواطنين والمنظمات
الشعبية والنقابية والمهنية والحزبية والتجارية المختلفة لتقديم الدعم المادي
والمعنوي لتعزيز دور منظمات المجتمع المدني في مناهضة الفساد حماية لاستقلالها
المهني ودفاعا على مصالح المواطنين.
ومن أدوار المنظمات المدنية
والأهلية:
تبني الأساليب العلمية
والمنهجية في وضع الخطط والبرامج والأدوات الموجهة لمناهضة الفساد من قبل منظمات
المجتمع المدني وكذا في المتابعة والرصد والتقويم وتنفيذ نشاطاتها.
●. الإلتزام بالقوانين واللوائح
النافذة والعمل على تعديلها إذا كانت تعيق مناهضة الفساد.
●. الاستفادة من جميع المنظمات النظيرة
في الساحة العربية والدولية من خلال:
1 - التحقق كميا من مدى ما توفره مناهضة
الفساد من موارد محسوبة، وذلك بحساب حجم الفاقد المادي من الميزانية العامة، وحساب
فاقد التنمية البشرية وتحقيق عدالة التوزيع.
2- سد فجوات الفساد القانونية والإجرائية والمدركية من خلال برامج
التوعية والتثقيف القيمي والأخلاقي وكذا التدريب لتفادي الوقوع في مهاوي الفساد
الإدارية .
3- توفير فرص الوصول للمعلومات للمواطنين والمنظمات المدنية.
4- العمل على استصدار القوانين واللوائح
والأحكام التي تحمي المواطن من ويلات الفساد في المجالين المتصلين بالقطاع العام
والخاص.
5- إصدار الأدلة والنشرات والمواد
الإعلامية والملصقات والإعلانات التي تستهدف التوعية والتثقيف بمخاطر الفساد.
6- عقد
الندوات والمؤتمرات وإعداد التقارير بما فيها تقارير المواطنين وغيرها من
الفعاليات اللازمة.
وتتبنى خلال هذه المرحلة منظمات المجتمع
المدني تنفيذ برامجها وخططها في التوعية والتثقيف والتدريب مستهدفة فئات مختارة من
الموظفين والمحاسبين والقانونين والتربويين والإعلاميين للتحاور حول طرق وأساليب
مكافحة الفساد، والعمل على وضع قواعد قيمية سلوكية للعاملين وللمواطنين وللطلاب
عموما.
والقيام بحملات إعلامية وتثقيفية
للجمهور الواسع من المواطنين عن طريق أجهزة الأعلام المختلفة.
بالإضافة إلى القيام بالمهام المحددة
للمشاركة العملية لمنظمات المجتمع المدني لمناهضة الفساد من خلال الرصد والمتابعة
وتقديم البرامج واقتراحها وتوفير خدمات الوصول للمعلومات، والقيام بالمسوح التقييمية
والدراسات والأبحاث، ووضع المعايير الخاصة بالقيم المهنية ومواثيق الشرف المهني
والتجاري والأمني والقيام بورش العمل. والقيام بممارسة أدوار التأثير
الإيجابي على صناع القرار والمشرعين وأجهزة النيابة والقضاء وأجهزة الضبط الإدارية
الأخرى من أجل تعزيز مستويات النزاهة.
بحيث يشمل ذلك الامتداد الجغرافي إلى
مناطق الحكم المحلي على مستوى المحافظات والمديريات.
وعلى منظمات المجتمع المدني إعداد
الدراسات والبحوث ووضع مقترحات الإجراءات وتقديمها للحكومة من أجل العمل على تطوير
الأطر والوظائف الخاصة الداعمة لاستقلالية أجهزة الشرطة والقضاء والنيابة عن سلطة
الحكومة، بأن تكون هذه الأجهزة مستقلة تماما وفي منأى عن التأثيرات
السياسية، واستبعاد أن يكون التوظيف فيها على أسس غير مهنية كالتبعية
العصبوية بأشكالها السياسية والمناطقية والمذهبية والفئوية والشللية.
كما ينبغي أن تتجه المنظمات المدنية
من خلال برامجها التوعوية الهادفة إلى ضمان استقلالية الأجهزة الأمنية
والبحثية بحيث تكون أدوات فنية محايدة خاضعة للمساءلة والتفتيش والمتابعة من
قبل أجهزة الرقابة التشريعية والحقوقية لضمان استبعاد لجوء هذه الأجهزة لاستخدام
الوسائل والطرق المحرمة أثناء تأدية واجباتها، وللحيلولة دون خضوع هذه الأجهزة
للضغوط السياسية والاجتماعية.
سعى منظمات المجتمع المدني والأهلي
لتطوير آليات الشفافية ولتعميمها في جميع مجالات النشاط العام الحكومي منه
والخاص، من خلال حوسبة جميع الإجراءات الإدارية بحيث يمكن لجهاز الرقابة والمحاسبة
وغيره من الهيئات ذات الصلة تتبع العمليات الإدارية والنشاطات المحاسبية في مرافق
العمل، فور أداء إي إجراء مما يوفر فرص كبيرة وغير محدودة للمراجعة اليومية العامة
وتوفير جهود الفاحصين وجهود ممثلي وزارة المالية والخدمة المدنية، وتشجيع العمل
وفق ما تسمى (بالحكومة الإلكترونية).
أن تعزيز المشاركة في مناهضة الفساد
يستوجب تضافر جهود جميع العاملين في المرافق الحكومية والعامة والخاصة والمواطنين
كذلك, لضمان الكشف عن عمليات الفساد المستشري في كثير من مجالات العمل، ولذا فمن
الضروري تأطير الجهود المخلصة والنزيهة في مرافق العمل في مكونات آليات مكافحة
الفساد. واقتراح الآليات الخاصة بمناهضة الفساد على المستوى القاعدي. (فعلى سبيل
المثال):
النقابات:
تفعيل النقابات المهنية وتعزيز دورها
بحيث لا يشمل فقط نشاطها الوظيفة المطلبية بحقوق العمل، وإنما يتضمن دورها تقييم
الأداء المهني لأعضائها من الناحية الفنية والكفائية والقيمية، فقيم العمل
المتضمنة احترام شروط الوظيفة وكيفية شغرها وتوفر المؤهلات والخبرات، وكذا
احترام الوقت والدوام وانجاز العمل، والحرص على المال العام والحيلولة دون إهدار
الثروة، واشراك النقابات المهنية في موضوعات التوظيف والترقيات سيحد من طرق الفساد
في التعيين للوظائف العامة وسيحد من وصول الفاسدين إلى مواقع القرار والنفوذ
في تمرير دوامات الفساد وطفيلياته في مجالات المشتريات والمناقصات والمزايدات
وتسريب تهريب الإيرادات وصرف المكافآت بشتى أشكالها المشروعة والغير مشروعة، وفي
تعيين الموظفين للوظائف الريعية والإرضائية التي تسمح بقيام شبكة المتنفذين على
مَواطن الثراء والامتيازات. فينبغي أن تكون التعيينات ليست من مهام
القيادات الإدارية وحدها ولكن يشارك في اقرارها النقابات حرصا على إلتزامها بتحقيق وظائفها المهنية واحترام أصول المهنة وطرق الترقي والاختيار. فالمحاسب الذي
يتجاوز اللوائح ويميل إلى تسهيل ثغرات الإهدار، لا يعد ملتزما
بالمهنية. لذا فالعمل المهني للنقابات ينبغي أن يعكس الحرص على
إلتزام المهنية. ويترافق عمل مندوبي وممثلي الوحدات النقابية مع ضرورة العمل
الطوعي ورصد القضايا الواضحة للفساد في مرافقهم وليس التربص والترصد، والتدخل
المؤدي إلى تضارب الصلاحيات. ويمكن وضع إرشادات تحدد خطوط عمل هؤلاء النشطون في
اللوائح التفسيرية للاستراتيجيات المناهضة للفساد.
ومما تقدم بيانه، تتحدد أدوار منظمات
المجتمع المدني في مكافحة الفساد في ثلاثة مسارات:
الأول: يقوم على التوعية والتثقيف، بغية تنمية مجتمع يأنف سلوكيات الفساد ويناهضها.
الثاني: يستند إلى أنموذج استباقي
وقائي، يعمل على الحد من الاحتياج للجوء للفساد وتضييق فرص الولوج لمسالكه.
والثالث: بناء آليات مدنية وأهلية
فعالة تعمل على تحقيق مبادئ المساءلة والمحاسبة وردع الطامعين بالاستفادة من أوضاع
العبث واللامسئولية.
وبذلك تسعى منظمات المجتمع المدني
لوضع خطة عمل إستراتيجية قابلة للتنفيذ، تتصل بأهم مواضيع نشاطات التنفيذ لإقامة
نظام النزاهة وهذه على النحو التالي:
● وضع ميثاق شرف
يتعهد فيه المشرعين والقيادات التنفيذية والقضائية الكبرى بالعمل على قبول
الشفافية ومبادئ المحاسبة والمساءلة وبالتطبيق العملي، فالإرادة التشريعية
والسياسية والقضائية هي المدخل لإقامة حكم ديمقراطي رشيد، ويرافق ذلك إدخال
الإجراءات الديمقراطية والشفافية في السلوكيات الحزبية.
● العمل على منع التدخل الدائم في
أعمال السلطة التنفيذية.
● الدعوى لتعزيز فعالية وقدرات اللجان
البرلمانية المتخصصة للتأكيد على خضوع السلطة التنفيذية للمراقبة ولقواعد المساءلة
والمحاسبة من قبل الهيئات المنتخبة لممثلي الشعب.
● تسعى منظمات المجتمع المدني بصورة
مستمرة لتقييم مستويات الأجور مقارنة بأسعار السلع ومستويات التضخم وتقديم
التوصيات للسلطتين التشريعية والتنفيذية لدفع رواتب وأجور كافية للمعيشة،
تؤدي إلى الحد من احتياجات الموظف العمومي التي تدفع به لأوحال الرشوة والاختلاس.
● تعمل منظمات المجتمع المدني على عقلنة
اللجوء الإداري للسلطة التقديرية والاستخدام المفرط لإجراءات التدخل الحكومي في
العمل الإداري من الترقيات والتعيينات والصرف العشوائي.
● التعاون على تحسين قدرة المساءلة
والتحكم الداخلي في مرافق القطاع العام.
● المطالبة المستمرة بإعطاء الصحافة
والأعلام حرية تامة في التعبير عن المواطن والمجتمع, واستيعاب وسائل الأعلام
لدورها المسئول في مراقبة ما تعبر عنه بحيث تلتزم المصداقية والحقيقة.
● وضع إجراءات خاصة للكشف عن طرق تمويل
الأحزاب السياسية وتحديدا في المناحي الآتية:
● الحملات الانتخابية.
● وضع نظم تفصيلية لبيان العلاقة بين
الأحزاب السياسية ومؤسسات الدولة في ما يتصل بالتعيينات العامة وما يمكن من
استغلال الوظيفة العامة لتحقيق أهداف حزبية.
● العمل على تطوير القوانين الخاصة
بالعقوبات للمتورطين في عمليات الفساد, وضع مواد قانونية تبيح مصادرة الموجودات
والملكيات والأموال الناجمة عن عملية الفساد بما فيها تلك المنقولة إلى طرف ثالث
بغية التضليل.
وفي كبح الفساد في المجال
الاقتصادي:
● فينبغي أن تتوجه جهود المؤسسات
المدنية نحو تحقيق شفافة عالية ودرجة فاعلة من المحاسبة والمساءلة ومزيد من
العلنية في الأوضاع التي تجتمع فيها مصلحة للقطاع الخاص والأفراد ممثلي الحكومة.
● كما ينبغي مراقبة أعمال
المؤسسات العامة التي تعمل في مجالات التجارة والإنشاءات وعلاقات شركات القطاع
الخاص ومالكوها بالحصول على أعمال ومشاريع الدولة ومناقصاتها. وذلك من أجل ضمان
المنافسة الحرة وتحقيق فرص متساوية للجميع، وصياغة معايير سلوكية لقيم السوق
والعمل.
● الشفافية والمحاسبة عند القيام
بأعمال الخصخصة للمؤسسات العامة، بما يضمن حقوق العاملين وحماية الثروة العامة
وعدم استغلال هذه العمليات في إثراء المتنفذين في الدولة.
● وتتضمن هذه العمليات استرجاع الأموال
والممتلكات العامة التي تم نقلها للقطاع الخاص بأشكال صورية. حيث تمنع المعاهدات
الدولية سقوط الحقوق جراء عمليات الفساد بالتقادم.
● يتطلب العمل بالخصخصة الحق العام في
معرفة تفاصيل المفاوضات والإجراءات الخاصة بالبيع للمؤسسات والملكيات العامة، وبالوسطاء الذين قاموا بعمليات
المفاوضات.
● السعي نحو قيام نظام نزاهة في مجالات
عمل القطاع الخاص، يكبح الاحتكار والمضاربات ووسائل التحايل وبخاصة في غياب نظام
لحماية المستهلكين، وقيام مؤسسات تحافظ على مصالح القطاع الخاص في حالة ممارسة
الحكومة أساليب الجباية والضرائب الغير مشروعة، وتشجيع العمل على تبني الشفافية
في الأنظمة المحاسبية التي يتبعها هذا القطاع.
وفي ما يتعلق برفع الوعي بضرورة
مناهضة أشكال الفساد، تعمل منظمات المجتمع المدني على القيام بالدراسات والبحوث
وإعداد البرامج التوعوية بمخاطر الفساد وبضرورة النزاهة وبتقديم الدورات الفنية
والتثقيفية للموظفين العموميين لمناهضة الفساد. والعمل على إرساء ثقافة أخلاقية
لتعزيز قيم النزاهة من خلال قيام النظام التعليمي العام والخاص بتثقيف وتوعية
الطلاب بمخاطر الفساد على الحياة العامة ويتسنى ذلك من خلال إقامة الندوات وحلقات
النقاش، وتضمين الكتب المدرسية فصول من مشكلات الفساد وآثارها على المجتمع من
النواحي المختلفة. كما يشجع الطلاب على الكتابة في موضوعات مناهضة الفساد، وإجراء
المسابقات حول ذلك، في المستويات الثانوية والجامعية. وتعزيز التوعية من خلال
الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، والإعلانات المناهضة المبينة لمخاطر الفساد.
من الممكن للمنظمات المدنية المشاركة
في وضع الاتفاقيات وفي المشاركة في تقييم العطاءات إلى المشاركة في لجان منح
المكافئات والعقود، إذ أن كثير من البلدان تعمل على معالجة تناقض المصالح بين البرلمانيين
وموظفي الدولة وذلك بمراقبة أرصدتهم، الدخل، الممتلكات، فإنه لا يجوز تركهم يعملون
دون شفافية. ولذلك على منظمات المجتمع المدني التوعية بمنع استخدام أسماء مستعارة
أو أسماء أطراف أخرى حيث يسمح ذلك في إخفاء الحسابات البنكية ويسمح بتمويل الحملات
الانتخابية بما يخالف القانون، ويتيح الرشوة والتهرب الضريبي. وعليه ينبغي استخدام
الأسماء الحقيقية في جميع عمليات الإيداع والسحب، وشراء الأسهم والسندات
والتعاقدات وإلا اعتبر تلك العمليات غير مشروعة يعاقب عليها الأطراف المتورطة مثل
البنوك والأشخاص على السواء.
على منظمات المجتمع المدني العمل على
وضع كثير من السياسات والاستراتيجيات للإصلاح وفقا لمسوح ودراسات تستهدف معرفة
آراء المشاركين في تحديد كيفية الإصلاح, حيث يحدد المشاركون معوقات الإصلاح
والموارد الكفيلة بالتغيير ووضع الإجراءات الكفيلة بتقليص عمليات الفساد، وتتضمن
مشاركة المواطنين في تحديد الميزانية المحلية، وفي إنشاء أجهزة فحص ومراجعة يشارك
فيها المواطنين إضافة إلى الأجهزة الحكومية.
والعمل على تبادل المعلومات والتعريف بالإجراءات
وضمان الوصول للمعلومات للمواطنين,
تقديم الخدمة الشبكية التي تتيح
للمواطن متابعة العمليات والتعاملات اليومية داخل المحليات.
ويقدم مكتب معلومات المديرية الخدمة
للذين لا توجد لهم خدمة الإنترنت.
وتؤدي هذه الخطوات إلى التزام
الموظفين والمسئولين بقضايا المواطنين ويمنعهم من الاحتجاب وراء مكاتبهم والقيام
بأعمال مشينة.
وتمثل المسوح المستهدفة تقييم الأداء
الحكومي من قبل المواطنين أمرا مهما لقياس درجة التحسن في الخدمات وفي تقدير حجم
الفساد، وفي استغلال الوظيفة العامة وفي رفع الوعي.
وقلة وانعدام التنظيم والذي يؤدي إلى الالتباسات
وإلى زيادة عشوائية التقديرات من قبل الموظفين، ويفضي إلى الفساد. وتساهم المسوح
كمسح تقديم الخدمات للتعرف على درجة فاعلية البرامج المقدمة وعن نوعها الخ.
وتقدم المسوح اللاحقة للمتابعة، فرص
للتحقق من تقديم الخدمات ومن القيام بها في المقام الأول.
وأخيراً يمكن القول إن مهمة
القيام بتأدية الأدوار المشار إليها سابقاً يتطلب تضافر الجهود بين عناصر المنظومة
الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد. والتي تعد مسؤولية مشتركة بين كل من الدولة
والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني وبين بقية عناصر المنظومة. وهذا التنفيذ
يتطلب درجة عالية من التنسيق بين المهام والأدوار المطلوبة من كل طرف من أطراف
المنظومة، وبما يحقق التناغم بين أعمدة المنظومة الوطنية للنزاهة في جهود مكافحة
الفساد ورسم الحدود التي يبدأ فيها دور كل طرف وتلك التي ينتهي عندها. وإبراز
طبيعة الأدوار التي يؤديها كل طرف من أطراف المنظومة، مع الأخذ في الاعتبار الأدوار
التي تؤديها الأطراف الأخرى بهدف خلق نوع من التناغم بين الأطراف كافة في مجال
مكافحة الفساد.
المصدر:
ورقة
عمل مقدمة من الأستاذ
الدكتور/ عبد الحكيم الشرجبي - أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء
للندوة (دور منظمات
المجتمع المدني والإعلام في مكافحة الفساد) نظمتها الهيئة الوطنية العليا لمكافحة
الفساد قطاع الإعلام ومنظمة اليمن أولاً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق