الأحد، 30 نوفمبر 2014

عرض تجربة الفيدرالية في مملكة ماليزيا


عرض تجربة الفيدرالية في مملكة ماليزيا


تمهيد:
في هذا المبحث سوف نستعرض بصورة مختصرة أهم محطات الفيدرالية في ماليزيا، بدءً من نشأة نظامها الفيدرالي وكيفية إدارة الأقاليم فيها وأهم المؤسسات الفيدرالية، وتوزيع الاختصاصات وأسلوب التسيير المالي للأقاليم، إضافة إلى تقديم نبذة عن مملكة ماليزيا.
أولاً: نبذة عن مملكة ماليزيا:
ماليزيا أرض استوائية خصبة وخضراء وتتمتع بسواحل شاسعة، تقع في جنوب شرق آسيا وتنقسم إلى منطقتين الشرقية والغربية تفصل بينهما بحر الصين الجنوبي وتتكون من (13) ولاية، نظام الحكم فيها ملكي دستوري فيدرالي برلماني ديمقراطي وعاصمتها كوالالمبور، ومركز إدارة الحكومة الفيدرالية مدينة بوتراجايا وجزيرة لابوان، تبلغ مساحتها (331) ألف كلم2.([1])
عدد السكان حسب إحصاء 2010م (28.3) مليون نسمة (حسب تقديرات 2014م (30.1) مليون نسمة)، وتعتبر دولة متعددة اللغات والأعراق والثقافات، لغتها الرسمية هي بهاسا ماليزيا، واللغة الانجليزية هي اللغة الثانية، والمجتمع الماليزي متعدد الأديان إلا أن الدين الإسلامي الدين الرسمي في اغلب الولايات (60%)، يليه البوذية (20%) ثم المسيحية (9%) والهندوسية (6.3%) وأخرى (4.7%).


ثانياً: لمحة تاريخية حول نشأة النظام الفيدرالي الماليزي:
ابتداء من القرن 14 ميلادي فصاعدا أصبحت الصورة السياسية في شبه جزيرة الملايا أكثر وضوحاً بظهور عهد إمبراطورية ملقا وهو العصر الذهبي للقوة السياسية الملايوية وصادف خلالها انتشار الإسلام في جنوب شرق آسيا، في 1511م احتلها البرتغاليين ومكثوا فيها (130)عام، وفي 1641م سقطت في يد الهولنديين، ثم في 1824 وقعت تحت سيطرت بريطانيا، وخلال الاحتلال البرتغالي والهولندي لم يحدث تغيير اجتماعي ملموس في مجتمع الملايو، إلا انه في 1874م تم التوقيع على اتفاقية بنكور التي تعتبر نقطة البداية في التحولات السياسية والإدارية في الولايات الملايوية، حيث تم بموجب هذه الاتفاقية تعيين مسئولين بريطانيين لتقديم النصح للسلاطين الملايويين في كافة الأمور ما عدا القضايا المتصلة بالدين والعادات.
أثناء الحرب العالمية الثانية وقعت ولايات الملايو تحت الاحتلال الياباني وحكموها حتى استسلامهم في 1945م, بعدها بعام تم تأسيس منظمة الاتحاد الملايوي الوطني (في الوقت الحاضر تعرف باسم أمنو- الحزب الرئيسي في الجبهة الوطنية الحاكمة حالياً)، ترأست المنظمة الكفاح من اجل الاستقلال وفي 1948م تم التوقيع على اتفاقية ملايو التي بموجبها تعيين مندوب سامي بريطاني وإنشاء مجلس تشريعي فيدرالي ومنح حكومات الولايات بعض السلطات، وفي عام 1955م تم وضع دستور قام بنقل مسئولية إدارة الحكومة إلى ممثلي الشعب المنتخبين في أول انتخابات فيدرالية فاز فيها التحالف (أمنو، الحزب الصيني الماليزي، الحزب الهندي الماليزي) وأصبح عبد الرحمن تنكو رئيس التحالف رئيساً للوزراء، تلاها مفاوضات ومؤتمرات لمناقشة استقلال الدولة، حتى حصلت على الاستقلال في 31 أغسطس 1957م، وفي يناير 1962م تم إنشاء لجنة لدراسة آراء سكان صباح وسرواك حول فكرة تأسيس دولة ماليزيا، ووافقت سلطتيهما التشريعيتين على الانضمام في نفس العام، وأعلنت ماليزيا رسميا في 16 سبتمبر 1963م كاتحاد مكون من الولايات الواقعة في شبه جزيرة الملايا وسنغافورة إضافة إلى ولايتي صباح وسرواك، وفي 7 أغسطس 1965م انفصلت سنغافورة عن ماليزيا لتصبح دولة مستقلة.
تستوحي الفيدرالية الماليزية نموذجها من النموذج البريطاني الذي شكل انطلاقاً من الاتفاقيات التي أبرمتها بريطانيا مع السلطات الماليزية، حيث تكونت أول فيدرالية عام 1896م من (4) ولايات، ثم جاءت فيدرالية 1948م وتشكلت من (9) ولايات، وبعد الاستقلال في 1957م تم إعداد دستور لحكومة مستقلة، أما اليوم فتتكون الفيدرالية الماليزية من (13) ولاية و(3) أقاليم فيدرالية.


ثالثاً: التقسيم الإداري الفيدرالي:
جدول رقم (1) يوضح التقسيم الإداري للولايات والأقاليم ومساحاتها وعدد السكان في ماليزيا

اسم الولاية/ الإقليم
العاصمة
سكان العاصمة
المساحة كم²
الكثافة السكانية
عدد السكان
1,810,000
243
7449
8,063,000
90,000
92
978
65,000
46
1413
جوهور
3,385,000
19,984
169
1,800,000
كيدا
2,000,000
9,426
213
600,000
كيلانتان
1,635,000
14,922
110
577,300
770,000
1,650
467
455,300
نجيري سمبيلن
1,014,000
6,645
153
419,500
بهنج
1,543,000
35,964
43
607,800
بيراك
2,393,000
21,006
114
814,000
بيرلس
241,000
810
298
50,000
بنانج
1,578,000
1,046
1509
2,200,000
صباح
3,203,000
76,115
42
900,000
سلانغور
شاه علم
5,180,000
7,956
650
8,063,000
سرواك
2,504,000
124,450
20
658,600
ترنجانو
1,121,000
12,955
87
396,400

رابعاً: الدستور الماليزي: ([2])
الدستور الماليزي هو القانون الأعلى للبلاد، يحدد نظام الحكم ويضمن إقامة حكومة منتخبة من قبل الشعب وبرلمان نيابي منتخب وسلطة قضائية مستقلة تتمتع بسلطة المراجعة القضائية وحكومة تخضع للمساءلة وفقاً لسيادة القانون في ظل تقسيم السلطة بين الولايات الاتحادية، ويعبر القانون الدستوري أكثر من غيره من مجالات القانون عن الأحلام والمطالب والقيم ومواطن الضعف في الجسم السياسي، ويشبه الدستور الخطة الرئيسة لمهندس السياسة للأمة وهو مجموعة من القوانين الأساسية التي تصف الطريقة التي تنظم بها الدولة وتدار بها الحكومة والعدالة.
وعلى المستوى التنظيمي، ينشئ الدستور القانوني مختلف أجهزة الدولة ويرسم ويحدد سلطاتها ومهامها ويسن القواعد التي تنظم علاقتها مع بعضها البعض ومع المواطنين، أما على الصعيد السياسي، يهتم القانون الدستوري بموقع السلطة في الدولة ويعلمنا كيفية إدارة السلطة وضمان الحرية، بينما على الصعيد الفلسفي، فإنه يوفر القيم الأساسية أو الجوهرية التي يقوم عليها المجتمع.
يتكون الدستور من (183) مادة و (13) جدولاً، تجسد عدداً من الخصائص الأساسية أهمها، ما يلي:
1.    الدستور القانون الأعلى: حيث تؤكد المادة (4) على سيادته على جميع التشريعات.
2.    النظام اتحادي فيدرالي: هناك فصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والمالية بين المركز والولايات، وهذا الفصل محمي بموجب الدستور.
3.    الضمانات الدستورية للحقوق الأساسية: يحمي الدستور الحقوق السياسية والمدنية والثقافية والاقتصادية، وفقاً لتنظيم واسع النطاق من قبل البرلمان.
4.    الملكية الدستورية: نظم الدستور سلطات الملك الاتحادي وسلاطين الولايات وأن ممارسة وظائفهم الدستورية يكون بالتشاور مع الحكومة المنتخبة، ووفقاً للنظام الدستوري يلزم الملوك تولي العرش وليس الحكم.
5.    مؤتمر الحكام: المهمة الرئيسية له هي انتخاب أو إزالة الملك الاتحادي وانتخاب النائب والموافقة أو الرفض على التعديلات الدستورية وتقديم المشورة في بعض التعيينات.
6.    المساواة بين الأعراق: يضمن الدستور سياسات العمل الايجابي لصالح الملايوويين الذين يمثلون الأغلبية والسكان الأصليين, ويعوض هذه الامتيازات الخاصة بتوفير ضمانات للطوائف الأخرى.
7.    إجراءات التعديل الخاصة: تكون الأحكام الدستورية راسخة ضد عمليات الإلغاء السهلة ولا يتم إلا بأغلبية ثلثين النواب وبعض الأحكام يضاف موافقة حكام المؤتمر ومحافظي صباح وسرواك أو المجالس الولائية، ولا يتطلب إجراء التعديل موافقة الشعب بالاستفتاء.
8.    الحق الدستوري العالمي للكبار: ينص الدستور على إجراء انتخابات دورية وعلى حق الاقتراع العام للبالغين ولجنة انتخابات مستقلة.
9.    نظام وستمنستر للحكم البرلماني: تعتبر الحكومة جزء من البرلمان ومسئولة أمامه ويمكن حلها في تصويت بحجب الثقة من مجلس النواب.
10.    البرلمانات المنتخبة: يضمن الدستور انتخاب البرلمان على المستويين الاتحادي والولايات، ويتكون برلمان الاتحاد من مجلسين ديوان راكيات (مجلس الشعب المنتخب)، وديوان نيجارا ( مجلس الشيوخ بالتعيين)، مع رجحان القوة لدى ديوان راكيات.
11.    الإسلام كدين للاتحاد: الإسلام السمة المميزة للشخصية الملايووية، وهو دين الاتحاد بنص الدستور، وللمجتمعات الأخرى الحرية في ممارسة معتقداتهم الخاصة في سلام ووئام، وأن تبني الإسلام كدين للاتحاد وورود كلمة الإسلام في الدستور (24) مرة،  لا يجعل ماليزيا دولة إسلامية، لان القانون الأعلى للبلاد هو الدستور وليست الشريعة.
12.    السلطة القضائية المستقلة: يتمتع قضاة المحكمة العليا في أدائهم مهامهم بالحصانة المطلقة، والقضاء منعزل عن السياسة، ونظامه متعدد المحاكم (العادية والشريعة والأهلية والإدارية) وبنص القانون على التسلسل الهرمي للمحاكم، وضمانات الأمن الوظيفي للقضاة وحصاناتهم واختصاصات مختلف المحاكم، ويسمح الدستور إنشاء محاكم إسلامية.
13.    الخدمة العامة غير السياسية: يلزم الدستور موظفي الخدمة المدنية دائماً التحفظ نحو السياسة، ولا تتأثر فترة بقائهم في المنصب بقيام أو سقوط الحكومات، ويتمتعون بالكثير من الضمانات الإجرائية التي تحميهم ضد الفصل التعسفي أو خفض الدرجة الوظيفية.
خلاصة القول أنّ وثيقة الدستور، قد اتّسمت بملامح المذهب المثالي والمذهب الواقعي، مزجت بين القديم والجديد، وبين الأصيل والمستورد، فقد امتزجت أفكار وستمنستر وتجربة الهند مع نظيراتها في الملايو لتنتجا شكلا فريداً من أشكال الحكم، فالملامح الإسلامية في دستور الملايو تمت موازنتها بأحكام أخرى مناسبة لمجتمع متعدد الأعراق والأديان، يقابل الامتيازات المالايوية ضمانات لصالح المجتمعات الأخرى، زخرت روح دستور الملايو بالاعتدال والتعاطف والتوافق، واستطاع التوفيق بين مصالح متضاربة لمجموعات عرقية ودينية، كان يبدو من العسير التوفيق بينها، على نحو قلّ نظيره في العالم الحديث.
خامساً: السلطة التنفيذية الماليزية:
1)     حاكم الاتحاد: هو رأس الدولة يتم تعيينه بالانتخاب من بين أعضاء مجلس الحكام ليكون الحاكم الأعلى لمدة خمس سنوات، ويتم اختياره على أساس الأقدمية والتعاقب ويتصرف بملئ إرادته في تعيين رئيس الوزراء، وعدم الموافقة على أي طلب لحل البرلمان وطلب عقد اجتماع مؤتمر الحكام.
2)     مجلس الوزراء: هو الحكومة ويكون مسئولا بشكل جماعي أمام البرلمان، ويقوم بوضع خطط طويلة الأجل للتنمية والدفاع في ماليزيا، وعند الضرورة يسن القوانين من خلال البرلمان لتنفيذ سياسات الحكومة، ويقوم الوزراء بالإشراف على أنشطة المصالح الحكومية، وإصدار الأوامر للموظفين في الخدمة المدنية، ويُشرف كل وزير على وزارة تشمل عدة مصالح حكومية، والوزير هو السلطة التنفيذية العليا، التي تربط مجموعة من موظفي الخدمة المدنية بمجلس الوزراء، وهناك الكثير من الوزارات الكبيرة والصغيرة التي تشكل النظام الديواني الإداري الماليزي.
3)     رئيس الوزراء: يعينه حاكم الاتحاد من مجلس النواب ذي الأكثرية الفائز، ويختار الوزراء، ويحق له تعيين أمناء برلمانيين من بين أعضاء وكلاء مجلس البرلمان، ويساعد الوزراء في تصريف المهام والواجبات، كما يمكنه تعيين وكلاء سياسيين.
سادساً: السلطة التشريعية:([3])
يتم تقسيم السلطة التشريعية بين المجالس التشريعية الاتحادية والمحلية، ويتألف البرلمان من مجلسين هما مجلس النواب أو ديوان راكيات (معناه مجلس الشعب)، ومجلس الشيوخ أو ديوان نيجارا (معناه مجلس الأمة)، يتم انتخاب أعضاء مجلس النواب 222 من خلال الدوائر الانتخابية ذات الممثل الوحيد لمدة أقصاها خمس سنوات، أما مجلس الشيوخ فعددهم (70)، وفترة ولايتهم ثلاث سنوات، يتم انتخاب (26) منهم عن مجالس الولايات (13)، بينما يمثل اثنان منطقة كوالالمبور الاتحادية، وواحد عن كل من لابوان وبوتراجايا، بينما يعين الحاكم الــ (40) المتبقين، إضافة إلى مجلس النواب على المستوى الاتحادي، لكل ولاية مجلس تشريعي خاص بها (ديوان راكيات) ويتم انتخاب أعضائه وفقاً للدائرة الانتخابية وحيد التمثيل، وتجري الانتخابات البرلمانية على الأقل مرة واحدة كل خمس سنوات، يحق التصويت للناخبون المسجلون في سن (21) وما فوق لانتخاب أعضاء مجلس النواب، والتصويت ليس إجبارياً.
سابعاً: المالية العامة في ماليزيا: ([4])
ينص الدستور على أن الصلاحيات المالية تكون في يد السلطة الفيدرالية مع ضمان صلاحيات مالية لبعض الولايات بحسب حجم السكان، وتتقاسم السلطة الفيدرالية بعض الموارد المالية مع الولايات مثل الموارد النفطية، ويوجد مجلس وطني للمالية يضم ممثلي الحكومة الفيدرالية والولايات يهدف إلى ضمان التنسيق ويتمتع بدور استشاري، ووحدة التخطيط الاقتصادي للوزير الأول هي التي تقوم بتحضير التقارير السنوية حول الاقتصاد الوطني، كما ترسم المشاريع التنموية الخاصة بالدولة وتحدد كيفية توزيع الميزانية داخل الولاية بما يتماشى مع الأهداف الاقتصادية للبلد.


ثامناً: توزيع الاختصاصات بين الاتحاد والولايات:
نص الدستور في المادة (73) أنه يجوز للبرلمان أن يسن لكل جزء من الاتحاد القوانين الفاعلة خارج حدود الاتحاد وداخله، ويجوز للهيئة التشريعية لأية ولاية أن تسن القوانين لكل أو جزء من تلك الولاية وفي حالة مخالفته لقانون الاتحاد يكون قانون الاتحاد سائداً وقانون الولاية باطلاً.
جدول رقم (2) يوضح توزيع الاختصاصات بين الاتحاد والولايات في ماليزيا
اختصاصات فيدرالية
اختصاصات ولائية
اختصاصات مشتركة
  • الشئون الخارجية.
  • الدفاع والأمن.
  • التجارة الخارجية والصناعة.
  • الملاحة والنقل والاتصال.
  • إمدادات المياه والقنوات.
  • المالية والضرائب.
  • التعليم والصحة.
  • الحاجات الاجتماعية والتأميم.
  • الأشغال العمومية.
  • التشريع الإسلامي.
  • الأراضي والعقار.
  • الزراعة والغابات.
  • أشغال الولاية وإمدادات المياه (غير الفيدرالية).
  • التنمية المحلية.
  • شؤون الملايو.
  • الحكومة المحلية.


  • الضمان الاجتماعي.
  • الصحة العمومية.
  • تخطيط المدن.
  • تهيئة المحيط.
  • الحدائق العمومية والحظائر.
  • الحياة البرية.
تاسعاً: مستويات الحكم المحلي في ماليزيا:([5])
توجد في ماليزيا (11) ولاية إضافة إلى ولايتي صباح وسرواك اللتان لهما وضع دستوري خاص، مع وجود ثلاثة أقاليم فيدرالية (بتروجايا ولابوان وكوالالمبور) ويوجد ثلاثة مستويات للمجالس المحلية هي:
مجلس المدينة: يكون عادة به المراكز الإدارية للولاية أو تكون عواصم لها وتعداد سكانها يفوق 800.000 نسمة، بدخل سنوي يقدر ب:80 مليون رنجت ماليزي، وقد تكون مراكز تجارية وصناعية، ويوجد حالياً (11) مجلس مدينة.
مجلس البلدية: لها طابع حضري وقد تكون عاصمة ولاية ويفوق عدد سكانها 100.000 نسمة وبدخل سنوي 10 مليون رنجت ماليزي، ويوجد حالياً (36) مجلس بلدية.
مجلس المقاطعة: يغلب عليها الطابع الريفي بتعداد سكاني يفوق 100.000 نسمة وبدخل سنوي 10 مليون رنجت ماليزي، ويوجد حالياً (96) مجلس مقاطعة.
وتقع هذه المجالس تحت سلطة الولاية التي تتبع لها وتراقب أعمالها، وتمارس جميعها نفس المهام والاختصاصات ويمكن للبلديات أن ترتقي إلى مدن إذا استوفت الشروط.
يرأس المدينة عمدة، بينما البلدية والمقاطعة يرأسهما رئيس، وتنتخب حكومة الولاية كل خمس سنوات وتعين العمدة والرئيس وأعضاء المجالس المحلية لمدة (3) سنوات، مع إمكانية إعادة انتخابهم وقرارات المجلس تتم تحت رقابة سلطة الولاية وتنسق السلطة التنفيذية في الولاية مع العمدة والرئيس سواء في مجالس المدن أو البلديات أو المقاطعات، كما يمكن للمجالس المحلية تعيين لجان تنفيذية خاصة بها تشرف على تنفيذ القوانين ومراقبة تنفيذ الخطط التي وضعتها، ولكل سلطة محلية طاقمها الإداري الخاص بها وتعين وتحول مهامهم حسب الحاجة ويمكن أن يحصلوا على ترقيات ليتم في النهاية اختيارهم كعمداء في المدن أو رؤساء في البلديات أو المقاطعات ، وما هو معمول به حالياً أن يكونوا منتميين للحزب الحاكم.
عاشراً: الرقابة والمتابعة:
تتم مراقبة السلطة الفيدرالية لجميع أعمال الأقاليم وخاصة في المجال الاقتصادي حيث تولي السلطة المركزية اهتماماً بالغاً لهذا الجانب، تضطلع بهذا الاختصاص لجنة تخطيط التنمية القومية التابعة لمكتب رئيس الوزراء لإجراء عملية تقييم التطبيق لسياسات الحكومة وتقوم كذلك هذه اللجنة بإعادة هيكلة الخطط.
أحد عشر: مؤشرات الاستفادة من التجربة الماليزية:
إن تجربة الفيدرالية الماليزية هي نموذج مشرف في ميادين الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا وسائر الجوانب الحيوية، إذ انطلقت في نهضتها من مقوماتها الذاتية وفرضت منطقها ونظرتها للتنمية ووسائل تحقيقها، ويعتبر مهاتير محمد صاحب الفكرة وقائدها الذي دفع بماليزيا نحو النمو والتقدم والازدهار، وأصدر في عام 1970م كتاب "معضلة الملايو" حدد فيه نهج الإصلاح وسبيل تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي فدعا إلى القضاء على الفقر وتوزيع الدخل الوطني على جميع مواطني الدولة بالتساوي، وعمد إلى تطوير المناهج التعليمية وشجع الابتكارات العلمية واضعا نصب عينية التجربة اليابانية التي استقى منها مبادئ النظام والإخلاص في العمل والولاء للوطن ومؤسساته، وإذا ما رغبت الدول العربية في النهضة والتفوق فان تجربة ماليزيا خير مثال للاسترشاد بها.
ويمكن أن نستخلص من التجربة الماليزية ما يلي: ([6])
‌أ-     في الجانب الاقتصادي:
تعتبر ماليزيا واحدة من الدول الرائدة في مكافحة الفقر، ومن ابرز التجارب التي كللت بالنجاح على المستوى الإسلامي، حيث استطاعت ماليزيا خلال ثلاثة عقود (1970-2000) تخفيض معدل الفقر من (52.4%) إلى (5.5%)، وخطط مهاتير محمد للوصول إلى (0.5%) في عام 2005م، وبالفعل تحقق هذا الهدف وكان عاملاً مهماً في تحقيق السلم الاجتماعي الذي يؤدي إلى استقرار النظام السياسي ومن ثمة مواصلة مسار التنمية بجهود متواصلة وخطوات ثابتة.
ومن أهم الدروس المستفادة في هذا الجانب ما يلي:
1)    استيعاب وإدراك الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى انكماش النشاط الاقتصادي والعلاقات المتداخلة للقطاعات الاقتصادية المختلفة.
2)    الاستعمال الأمثل والاستغلال العقلاني لكل ما تجود به الطبيعة والبيئة المحيطة من خيرات وثروات وزراعة وسياحة وغيرها.
3)    توزيع التنمية على كل مناطق الوطن، وهو ما يساهم في وضع حلول لمشكلات التركيز السكاني والهجرة والذي يتسبب في الإخلال بتوزيع الدخل والثروة.
‌ب-  في الجانب الإداري:
بالرغم أن سمات اللامركزية الإدارية لم تتيح صلاحيات واسعة في عمل الأجهزة الحكومية، إلا ان اللامركزية السياسية كانت عامل مهم ليعبر كل إقليم عن قدراته ويشارك في بناء اقتصاده بتوجيه من السلطة المركزية، ولكن أساليب الإدارة والتمييز والتركيز على الدور القيادي أعطى نتائج محفزة يمكن الاستفادة منها.
ومن أهم الدروس المستفادة في هذا الجانب ما يلي:
1)    مسار الإصلاحات الإدارية في ماليزيا لم تتوقف بدليل صدور قوانين ذات تأثيرات فارقة في استمرار التحول نحو اللامركزية وتعزز من صلاحيات السلطات المحلية بإجراءات كثيرة تحولت على أثرها الوحدات الإدارية في الأقاليم من هياكل لتقديم خدمات روتينية إلى أجهزة متكاملة تساهم في التنمية وتضع الخطط وتراقب تنفيذها.
2)    شمل الإصلاح الإداري جوانب التنمية البشرية وزيادة معارف وقدرات ومهارات وأخلاقيات العمل وجعل القوة البشرية أهم أدوات الإصلاح والتنمية، من خلال التعليم والتدريب والإبداع في كافة المجالات العلمية والمعرفية والمهن.
3)    محاربة الفساد الإداري بكافة أنواعه، وأنشأت مؤسسات رقابية لضمان عدم إساءة الوظيفة العامة، وكذا فعالية القيادة الحازمة، وصفها البعض بأنها الديكتاتورية الايجابية لاحتفاظها بصفات العدل واتخاذ القرارات دون تردد مع محاسبة المقصر والاعتراف بمجهودات السابقين.
4)    انجاز الأعمال والمشاريع الحكومية وإدارتها بفاعلية عالية، وتسيير المشاريع في وقتها ووضع خطط إستراتيجية دقيقة من خلال وضوح الرؤى والرسالة والأهداف ومن ثم وضع الآليات المناسبة للتنفيذ والمتابعة والتقييم، وعدم ترك أي فرصة للتلاعب أو الفساد بتحديد صلاحيات مكتوبة للموظفين.
5)    التركيز على العمل بمبادئ ومفاهيم الجودة الشاملة، التي تهتم بتحسين العمل والإنتاج من سلع وخدمات بجودة ودقة عالية، ونشر ثقافة الوقاية من الأخطاء قبل حدوثها والعمل بروح الفريق الواحد، واختصار الإجراءات الإدارية.
6)    وضع على مستوى أجهزة الخدمة المدنية دليل الإجراءات الذي يحدد بدقة مجموعة الإجراءات التي يجب اتخاذها لتنفيذ أي عمل، والزمن الذي يستغرقه وصلاحيات الموظفين في التنفيذ مع المتابعة والتقييم والمحاسبة، واستخدام نظام النافذة الواحدة في تنفيذ المعاملات، والاهتمام بالانضباط الإداري والتوقيع وقت الدخول ووقت الخروج بدون استثناء احد بما في ذلك رئيس الوزراء.
‌ج-  في الجانب الاجتماعي:
يعتبر الجانب الاجتماعي من اكبر الانجازات التي حققتها الحكومة الماليزية عبر إرساء دعائم السلم والاستقرار الاجتماعي في مجتمع متنوع عرقيا ودينيا، فانطلقت المسيرة التنموية على أساس إرساء العدالة الاجتماعية وتوحيد الجبهة الداخلية ليتحول التنوع مصدر إنماء.
ومن أهم الدروس المستفادة في هذا الجانب ما يلي:
·        حفزت سياسة الحكومة الشعب الماليزي على الاعتماد على الذات، وحققت نظام الحكم القائم على العدالة في توزيع الدخل بين أفراد المجتمع، ولامركزية في صنع القرار.
·        التعايش السلمي بين التكوينات العرقية بتوزيع عادل للأعباء والمغانم بالتناسب مع أوضاع هذه التكوينات المختلفة، واستوجب ذلك أن يكون الجهاز الحكومي ممثلا لكل تكوينات المجتمع وهو ما ساهم في خلق الاستقرار السياسي والانطلاق نحو التنمية الاقتصادية وتدفق الاستثمار الأجنبي وازدهار الاستثمار المحلي.
·        تضمنت السياسة الضريبية بعداً اجتماعياً يستفيد منه الفقراء عبر اقتطاعات بسيطة من الدخل تحول كنفقات لتعليم المعوقين وإعالة الفقراء وغير ذلك من أوجه الخدمة الاجتماعية.




[1] . علي قوق، إدارة الأقاليم والتجارب المستفادة عربياً –حالة ماليزيا-، رسالة ماجستير في العلوم السياسية غير منشورة، جامعة قاصدي مرباح- ورقلة، الجزائر، 2010م. ص69.
[2] . شاد سليم فاروقي، دستور دولة ذات أغلبية مسلمة : النموذج الماليزي، ورقة مقدمة لمنتدى صناعة الدستور، منتدى تشاوري لحكومة السودان، 2011م، ص9.
[3] . ماليزيا، موقع ويكيبيديا، الموسوعة الحرة على الانترنت.
[4] . علي قوق، مرجع سابق، ص76.
[5] . علي قوق، مرجع سابق، ص81.
[6] . علي قوق، مرجع سابق، ص141.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق