المشاركة المجتمعية في الجمهورية اليمنية
المقدمة:
تعد المشاركة
المجتمعية أحد المبادئ الأساسية في الخدمة الاجتماعية كما أنها تمثل إطاراً عاماً
للعمل يلتزم به الممارس، وتقوم المشاركة على فلسفة الخدمة الاجتماعية وإيمانها بأن
قدرات الأفراد تسمح لهم بأن يتولوا أمورهم بأنفسهم مهما كانت المشكلات.
وتأخذ
المشاركة المجتمعية في عملية التنمية على المستوى المحلي، في المجتمعات المعاصرة
أشكالاً وآليات متباينة، تختلف بحسب طبيعة النظامين السياسي والاجتماعي السائدين
في كل مجتمع وبحسب التقسيم الإداري المتبع في كل دولة، حيث تتجسد هذه المشاركة على
ارض الواقع عن طريق المجالس المحلية المنتخبة بشتى مستوياتها ومختلف مؤسسات
المجتمع المدني، كالجمعيات والأحزاب السياسية ولجان الأحياء وغيرها من التنظيمات
الرسمية وغير الرسمية، التي تشارك بطريقة مباشرة وغير مباشرة في مختلف الأعمال
والمبادرات التنموية.([1])
وفي هذا
التقرير سوف نتعرف على ابرز المفاهيم النظرية حول المشاركة المجتمعية، ثم سنتناول
إحدى تجارب المشاركة المجتمعية في بلادنا وهي مؤسسة مبادرون للتنمية المجتمعية.
أولاً: المشاركة المجتمعية في اليمن:
المشاركة المجتمعية صفة يمنية متأصلة
منذ العهود القديمة في عهد حكم الأقيال، ولقد أبان تاريخ الحياة السياسية
والإدارية اليمنية عبر التاريخ عن ظهور أطر من العمل التعاوني والطوعي بين الحكومة والمجتمع المحلي، يسهم المجتمع من خلال
هذه الأطر في تحقيق مصالحه، وإشباع حاجاته ورغباته، ويكون رديفا مساندا للدور
الرسمي الحكومي دون أن يحل أحدهما محل الأخر، وفي المقابل ترعى الدولة هذا الجهد
وتنظمه وتوجهه في خدمة التنمية وسد جوانب العجز التي لا تقدر هي على تغطيتها، نظرا
للصعوبة الطبيعية والجغرافية للأرض اليمنية والتشتت السكاني وشحة الموارد.([2])
وأن نظام السلطة المحلية الحالي قد تطور
نتيجة الإرث التاريخي لتجارب يمنية عبر مراحل مختلفة كان أخرها العمل التعاوني ثم
المجالس المحلية في شمال الوطن وتجربة مجالس الشعب المحلية في جنوب الوطن قبل توحد
اليمن، وأمكن على سبيل المثال تحقيق نهضة تنموية في سنوات محددة خلال فترة
السبعينات والثمانينات من خلال تجربة الحركة التعاونية التي ساندتها ورعتها
الحكومة في ظروف بالغة الصعوبة ومحدودية القدرات الرسمية في الدولة.
ثانياً: مفهوم المشاركة
المجتمعية:
يمكن صياغة مفهوم المشاركة المجتمعية من منطلق إن انتمائية الأفراد للمجتمع
المحلي تتضمن قيام تفاعل فيما بينهم ومعايشة ظروف المجتمع ومشكلاته، وأن إشباع
الاحتياجات يتطلب تعاون الأفراد فيما بينهم بطريقة طوعية.
في إطار ما سبق يمكن تعريف المشاركة المجتمعية بأنها
تفاعل من أفراد المجتمع ومعايشة الظروف المحيطة بحكم الانتماء وإشباع الاحتياجات
عن طريق التعاون بأساليب طوعية الأمر الذي ينتج عنه:
· تقديم المساعدة للغير دون أن يطلب من الفرد ذلك.
· الانضمام إلى منظمات المجتمع بطريقة اختيارية.
· الإيجابية في التعبير عن مشكلات المجتمع.
· التضحية بالوقت والجهد أو المال في سبيل حل مشكلات
المجتمع.
· إبداء الرأي لبعض الحلول الواقعة التي تتماشى مع
إمكانيات المجتمع المحلي لحل مشكلاته.
ويتقاسم الشركاء من أطراف المجتمع
وتنظيماته الأدوار والمسئوليات والمصالح المتبادلة وصولاُ لتحقيق الأهداف المرجوة،
كما أن الشراكة المجتمعية تعمل على توثيق الروابط وتضافر الجهود والتنسيق بين
التنظيمات الاجتماعية والمهنية في مجتمع الأمة في جو من التفاهم والتعاون وتبادل
الخبرات والأفكار، وتقاسم المعارف وتعزيز الثقة، وقد تصل إلى اندماج أنشطة ما
وتكاملها من أجل إيجاد علاقات تعاونية فعالة تحقق الشراكة الكاملة.([3])
ويمكن النظر للمشاركة المجتمعية على أنها قيام
الأفراد بدورهم دون أن يكونوا موظفين أو معنيين بالتأثير في الخدمات الحكومية وفي
التعاون لسد الحاجات المحلية علما بأنها تأخذ أشكالاً ومستويات مختلفة.
وتؤدي
المشاركة المجتمعية في العملية التنموية دورا مهما يتمثل في المساعدة في تحديد الصعوبات
والمشكلات التي تواجه حياة السكان مما يسهل في رسم السياسات لمعالجة المشكلات والصعوبات
وزيادة أوجه التعاون والتنسيق بين مختلف الأطراف ذات العلاقة بالعملية التخطيطية التنموية.
ثالثاً: مفهوم المشاركة المجتمعية في اليمن:
احتلت
المشاركة المجتمعية مكانة خاصة في الدستور الذي أكد على أهمية مساهمة المجتمع في
توفير التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية المادة (32)، كذلك أبرز الدستور
المسؤولية المشتركة للدولة والمجتمع في حماية وصيانة الآثار والمحافظة على البيئة
المادتان (34 و 35).
وقد جاء
قانون السلطة المحلية منسجما مع الدستور في التأكيد على قيام نظام السلطة المحلية
على أساس توسيع المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار وإدارة الشأن المحلي في مجالات
التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من خلال المجالس المحلية المنتخبة
(المادة 4)، وللمجـلس المحلي أن يشكل لجاناً خاصة من بين جمهور المنتفعين لإدارة
وتسـيير وصـيانة المشـروعات الخدمية للوحدة الإدارية المادة (168)، ولتجسيد ذلك
على ارض الواقع فقد نص القانون على جواز تخصيص 20 % من الموارد المحلية (باستثناء
الدعم المركزي) لأغراض المساهمة في تمويل المشاريع التنموية والخدمية القائمة على
أساس المبادرات الذاتية والتعاونية. كما أوجب القانون على عضو المجلس المحلي التواصل
مع ناخبيه لمعرفة متطلباتهم وتبنيها في خطط السلطة المحلية من جهة، وتوضيح قرارات
وتوجهات السلطة المحلية للمجتمع من جهة ثانية.
وقد أفردت
اللائحة التنفيذية لقانون السلطة المحلية باباً كاملاً (الباب التاسع) تناول المشاركة
الشعبية في التنمية المحلية، تكون هذا الباب من فصلين: الأول يعنى بالمبادرات
الذاتية والتعاونية، والثاني يعنى بإدارة وتسيير المشاريع الخدمية من قبل المجتمع.([4])
رابعاً: خصوصية المشاركة المجتمعية في اليمن:
تنبثق
خصوصية المشاركة المجتمعية في التنمية المحلية في بلادنا من الأهمية التي تشكلها
المجتمعات المحلية في إطار التنمية الشاملة، إذ أنها تستوعب معظم المواطنين، ومعظم
الفقراء (الذين تشكل النساء نسبة كبيرة منهم). كما تعزى الأهمية التي تمثلها
التنمية المحلية في إطار التنمية الشاملة إلى التفاوت الكبير في المؤشرات
الاجتماعية بين التجمعات الحضرية والريفية، وعلى الصعيد المحلي، تم تبني العديد من
التجارب الدولية الخاصة بمنهجيات وآليات المشاركة المجتمعية والتي بدأت باستخدام
آلية التقييم الريفي السريع (Rural Rapid Appraisal (RRA، وفي منتصف التسعينات تطورت
هذه الآلية تحت مسمى (التقييم السريع بالمشاركة (PRA) من قبل هيئات ومشاريع الزراعة
الممولة دولياً مثل الصندوق الاجتماعي للتنمية، مشروع دعم الإدارة في القطاع
الزراعي( 1994-2000م)، الممول من قبل البنك الدولي، وكذلك مكون الإرشاد والتدريب
التابع لقطاع الإرشاد في الهيئة العامة للبحوث الزراعية والممول من قبل الحكومة
الهولندية (1993-2001م)، ومشروع المساقط المائية الممول من قبل منظمة الأغذية
والزراعة، والوحدة التنفيذية لمشاريع المياه والصرف الصحي في المناطق الريفية.
وخلال عام
2006 م، بلور الصندوق الاجتماعي أفكارا إبتكارية أخذت منهجية أداة التعلم والعمل بالمشاركة
(PLA) Participatory
Learning and Action
إلى أفاق جديدة تم من
خلالها تطوير نموذج يجعل مهمة تكامل جميع أطراف هيكلية المنظومة المحلية ممكناً،
ومن ذلك تفعيل وتمكين المجتمعات المحلية، وتقوية قدرات السلطات المحلية على مستوى
المديريات في آليات التخطيط التنموي بمشاركة المجتمع من خلال برنامج رائد تحت مسمى
(برنامج التمكين من أجل التنمية المحلية المستدامة).
تمكن
الصندوق الاجتماعي للتنمية من تحقيق قيمة مضافة نوعية على صعيد تفعيل المشاركة
المجتمعية وذلك من خلال تبنيه لمنهجية المشاركة المجتمعية في التدخلات التي يقوم
بها، ولقد تجسدت أيضا من خلال تنمية الشعور بتملك المشاريع التنموية من قبل
المستفيدين الذين أصبحوا مساهمين بصورة مباشرة، الأمر الذي يساعد على استدامة تلك
المشاريع، وللتدليل على الأهمية التي تحتلها المشاركة الشعبية نذكر أن عدد لجان
المستفيدين قد بلغت حتى الآن (2008م) حوالي 4,207 لجنة بعدد المشاريع الإنشائية في
مجالات التعليم والمياه والبيئة والطرق الريفية والصحة والموروث الثقافي)، يذكر أن
هذه اللجان التي تقوم بتمثيل المجتمع المحلي يتم تشكيلها من المجتمع المستفيد،
وذلك بعد أن يتم تحديد أولويات الاحتياج باستخدام آليات المشاركة المجتمعية،
ولزيادة كفاءة تلك اللجان يقوم الصندوق بتدريبها للقيام بإدارة وحشد المساهمات
العينية المتوفرة لدى المجتمع، وكذلك للقيام بالرقابة والمتابعة لتنفيذ المشاريع
في جميع مراحلها.
وفي مستوى
أعلى من المشاركة المجتمعية، يقوم الصندوق بتنفيذ نماذج ميدانية معمقة بالشراكة مع
السلطة المحلية بهدف تطوير آليات تسعى إلى تمكين السلطات المحلية من القيام بدورها
التنموي المناط بها في القانون، وكذا لتمكين المجتمعات المحلية وتنظيمها وإعطائها
الدور الأساسي في اكتشاف مواردها وتحديد أولويات احتياجاتها ومن ثم ربطها مع
السلطات المحلية.([5])
وفيما يتعلق بالتكوينات والأطر المجتمعية
المستخدمة من قبل الجهات والمشاريع التنموية، فهناك العديد من التجارب والآليات
التي تم تبنيها، منها ما ينتهي بمجرد انتهاء تنفيذ المشروع أو التدخل، ومنها ما
يستمر ويساعد على استدامة التدخل. فمثلا، نجد أن المشاريع في قطاع التعليم والصحة
تحاول بصورة عامة أن تستخدم الأطر المجتمعية الموجودة، أو تلك التي حددها القانون
مثل مجالس الآباء ومجالس الأمهات ولجان المرافق الصحية. وهناك بعض الجهات –مثل الصندوق
الاجتماعي للتنمية - تترك القرار بيد المجتمعات المحلية لانتخاب لجان ومجموعات
مجتمعية وبشكل شفاف وديمقراطي. في المقابل، هناك جهات أخرى -كالوحدة التنفيذية
لمشاريع المياه والصرف الصحي في المناطق الريفية- تشترط تشكيل جمعيات تنموية رسمية
مسجلة بوزارة الشئون الاجتماعية بسبب أن مشاريع المياه الممكننة هي من المشاريع
الإيرادية والتي تتطلب فتح حسابات بنكية.
[1] . محمد خشمون، المشاركة الاجتماعية في التنمية المحلية، الباحث
الاجتماعي،عدد 10 سبتمبر 2010م ص171، 172.
[2] . محمد حمود
الحمادي، تطوير منظومة المشاركة المجتمعية في اليمن، رسالة ماجستير غير منشورة،
مركز تطوير الإدارة العامة، جامعة صنعاء، 2013م، ص3.
[3] . بلقيس غالب الشرعي، دور المشاركة المجتمعية في الإصلاح المدرسي، دراسة
تحليلية غير منشورة، مقدمة لمؤتمر الإصلاح المدرسي تحديات وطموحات كلية التربية – جامعة الإمارات العربية المتحدة،
جامعة السلطان قابوس 17-19 ابريل 2007 دبي،
ص3.
[5] . مشروع الإستراتيجية الوطنية للحكم المحلي، مرجع سابق، ص113.
تقرير رائع اخي محمد
ردحذفجهد جباار .. مشكور
ردحذفشكرا
ردحذفشكرا
ردحذفشكرا لك
ردحذف