الأحد، 30 نوفمبر 2014

الفيدرالية في اليمن


الفيدرالية في اليمن


المقدمة:
أفرز الواقع الجديد في إطار العولمة تراجعاً تدريجياً لدور الدولة المركزية، ولذلك اتجهت الدول نحو مزيد من اللامركزية الإدارية والسياسية، والسماح للمكونات المحلية بتشكيل حكوماتها الإقليمية، وهو ما يسمى بالشكل الفيدرالي للدولة، والذي أصبح شكلاً مغرياً لكثير من المكونات الاجتماعية المحلية للتعبير عن هوياتها، بل أصبح أكثر جاذبية في الطرح السياسي لكثير من شعوب العالم، ولا أدل على ذلك من أن (28) دولة يقيم فيها 40% من مجموع سكان العالم وذات قوة اقتصادية أصبحت تتبني هذا النظام، مما يعبر عن أهمية هذا الشكل عملياً في إدارة المجتمعات.
وفي هذا البحث سوف نسلط الضوء على الفيدرالية كأداة لإدارة الدولة، والتعرف على مخرجات الحوار الوطني فيما يخص توجه الجمهورية اليمنية نحو الفيدرالية.
أهمية اختيار موضوع الفيدرالية:
·        اندفاع اليمن نحو الدولة الاتحادية بشكلها الفيدرالي، تجسد هذا الاندفاع من خلال مخرجات مؤتمر الحوار الوطني, وصدور القرار الجمهوري رقم (2) لسنة 2014م بشأن تشكيل لجنة تحديد الأقاليم، واستكملت أعمالها في 10 فبراير بالإقرار النهائي بتحديد ستة أقاليم للدولة الاتحادية.
·        تقديم الفيدرالية على أساس أنها الحل أمر بالغ الأهمية يتعلق بمصير شعب الجمهورية اليمنية وأرضها، وسيترتب عليه صورة مختلفة على كافة المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المدى القريب والبعيد.
ولذلك كان لابد من البحث عن ماهية الفيدرالية كمفهوم وتجارب خصوصاً أن الكثير ما يزالون يجهلون حقيقتها وتبعاتها المستقبلية.
الهدف من دراسة الفيدرالية:
1-  التعرف على المفاهيم النظرية للفيدرالية.
2-  الاطلاع على تجربة ماليزيا التي استطاعت أن تكون من الدول الأكثر تطوراً في ظروف صعبة وأصبحت نموذجا فريدا في حسن التسيير الإداري واستعمال التكنولوجيا لتقديم خدمة أفضل للمواطن.
3-  التعرف على مخرجات الحوار الوطني الشامل ذات الصلة بموضوع الفيدرالية.
4-  تقديم تصور لمستقبل الفيدرالية في اليمن بالاستفادة من التجارب الدولية.


  

أولاً: التطور التاريخي للفيدرالية:
ترجع البوادر الأولى للفيدرالية إلى مدن اليونان القديمة منذ القرن الخامس للميلاد، حيث وصلت حداً كبيراً من الحضارة والتطور الاجتماعي، وبرز نوعين من التنظيم: السايماخيا (symachia) والسايمبوليتيا (sympolitiea)، ويختلفان جوهرياً فالسايماخيا تعني اتحاد عسكري بينما السايمبوليتيا تتضمن مشاركة في الحياة السياسية بوجود حكومة مركزية تتقاسم السلطة مع حكومات المدن.([1])
وهناك العديد من الاتحادات التي وجدت في اليونان القديمة غير أنها مختلفة وبعضها صمد لفترات طويلة من الزمن، وظهرت اتحادات أخرى مثل إمبراطورية شارلمان في القرن التاسع الميلادي واتحاد هان سياتك الألماني في القرن الثالث عشر وفيدرالية الأراضي المنخفضة في القرن السادس عشر، ثم جاءت كونفيدرالية سويسرا سنة 1291م لتتطور على مدى خمسة قرون وبعد حرب أهلية تتحول إلى أكثر الفيدراليات نجاحاً بدءاً من 1848م إثر مؤتمر وطني وضع دستورها الفيدرالي، وقد اتحدت سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية في البداية كنظام كونفيدرالي لمدة ثمان سنوات من عام 1781م إلى 1789م، عندها قامت 13 ولاية أمريكية بتشكيل أول فيدرالية معاصرة، وعلى النمط الأمريكي ظهر أول دستور لألمانيا في عام 1871م، وتكونت كندا من اتحاد 3 مستعمرات في شمال أمريكا في عام 1867م وتوسعت بمرور الوقت بإضافة مستعمرات أخرى، وفي استراليا اتحدت المستعمرات الست في اتحاد فيدرالي عام 1901م.
وفي أمريكا اللاتينية نشأت 4 اتحادات فيدرالية ( الأرجنتين، البرازيل، المكسيك، فنزويلا) في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بعد حصولها على استقلالها في أعقاب حروب وفترات ديكتاتورية واضطرابات مدنية.
عقب الحرب العالمية الثانية انقسمت الإمبراطوريات الأوربية وشهدت إقامة العديد من الأنظمة الفيدرالية، بينما تمكنت كل من الهند وباكستان وماليزيا ونيجيريا من البقاء كاتحادات فيدرالية، وجاءت الموجة الهامة الثانية قيام الأنظمة الفيدرالية الجديدة الناجمة عن انهيار الاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا وكلها أنظمة شيوعية دساتيرها فيدرالية من الناحية الاسمية وحقيقتها أنظمة حكم مركزية يحكمها الحزب الواحد.
ثانياً: طرق نشأة الأنظمة الفيدرالية:
نشأت الأنظمة الفيدرالية في ظروف مختلفة تماماً، فكل منها كان نتيجة فريدة لاختيارات اتخذها القادة السياسيون والقوى التاريخية الكبرى، ونظراً لأن كل مجتمع يتسم بالتعقيد فقد ساهمت عدد من العوامل في تشكيل ملامح تجربته الفيدرالية، ولا يمكن أن تكون هناك وصفة واحدة للفيدرالية، بل يعتبر كل اتحاد فيدرالي فريداً من نوعه، ولكل دولة فيدرالية روايتها الخاصة بها فيما يتعلق بأصلها وتطورها الإقليمي والسياسي، وبما تتضمنه تلك الروايات من حروب وثورات ومعاهدات ومسارات ديمقراطية، وفي ظل هذه العمليات نشأت الأنظمة الفيدرالية لتكوين أو تطوير دولة ما من خلال الطرق التالية: ([2])
1)    عملية توحد لنشأة دولة فيدرالية جديدة بين عدد من الوحدات المنفصلة (ولايات، مستعمرات، ...)، بينها مصالح وهوية مشتركة كافية للانضمام في اتحاد فيدرالي، بصورة يسمح لكل وحدة المحافظة على قدر من استقلالها الذاتي.
2)    عملية إعادة ترتيب لدولة واحدة شديدة المركزية وغالباً سلطوية وغير ديمقراطية، باختيار الأسلوب الفيدرالي استجابة لضغوط سياسية نحو نقل السلطات أو تحويلها إلى مجتمعات محلية متعددة بسبب اللغة أو الدين أو الفروق الاقتصادية الكبيرة أو كيانات سياسية لها ماض متميز.
3)    عملية مركبة من العمليتين السابقتين معاً.
ثالثاً: مفهوم الفيدرالية:
هناك العديد من الآراء حول أصل الفيدرالية كمصطلح، نقتبس منها ما يلي:([3])
1)    الفيدرالية مشتقة من الكلمة اللاتينية (FOEDUS) ومعناها المعاهدة أو الاتفاق.
2)    الفيدرالية  شكل للترتيب التعاقدي بالاتفاق (Foedus or Pact) واشتقت من الثقة (Fidesortrust) ويتضمن اتفاقاً تم قبوله بصورة حرة ومتقابلة.
أما الفيدرالية كمفهوم فتعني "اتحاد اختياري بين ولايات أو دول أو أقوام تختلف قوميا أو عرقيا أو ديانة أو لغة أو ثقافة حتى تتحول إلى شخصية قانونية واحدة أو نظام سياسي واحد مع احتفاظ أجزاء هذه الشخصية المتحدة بخصوصيتها وهويتها ويوجد تفويض للكيان المركزي للاتحاد بالبعض من الصلاحيات المشتركة مع الاحتفاظ ببعض الصلاحيات لهذه الأجزاء أو الولايات. بما يعني توافر الاستقلال الذاتي للولايات المكونة للاتحاد ولهذا أهم ما تتميز به الدول الفيدرالية أو الاتحادات الفيدرالية هو الاستقلال الذاتي لكل ولاية أو دولة مشتركة في الاتحاد".([4])
وتوجد عدة تعريفات للفيدرالية تتقارب جميعها بالمعنى والمضمون وترسم صورة مقبولة لشكل الدولة المعاصرة المتضمنة توزيع السلطة على مستويين هما الحكومة الاتحادية في الأعلى والأقاليم أو الولايات في الأسفل.
رابعاً: خصائص النظام الفيدرالي: ([5])
1)    توزيع السلطات والاختصاصات: تعتبر سمة النظم الفيدرالية هي قيامها توزيع السلطات والمسئوليات بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية المنطوية تحت الاتحاد، وهناك ثلاث طرق لتوزيع السلطات في النظم الفيدرالية، هي:
‌أ.       الطريقة الأولى: يحدد الدستور الاتحادي اختصاصات وسلطات دولة الاتحاد على سبيل الحصر وكل ما لم ينص عليه الدستور تكون من اختصاص الحكومات المحلية.
‌ب.  الطريقة الثانية: يحدد الدستور الاتحادي اختصاصات وسلطات الحكومات المحلية على سبيل الحصر وكل ما لم ينص عليه الدستور تكون من اختصاص الحكومة الاتحادية، ويترتب على هذه الطريقة اعتبار أن اختصاص الحكومة الاتحادية هو الأصل بينما اختصاص الحكومات المحلية هو الاستثناء.
‌ج.    الطريقة الثالثة: يحدد الدستور اختصاصات كل من الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية.
تسمى الطريقتين الأولى والثانية الأسلوب الحصري في توزيع السلطات، وتتميز بأنها تعزز من استقلال الحكومات المحلية، بينما يعاب عليهما أنهما يؤديان إلى إضعاف سلطات الحكومة الاتحادية، أما الطريقة الثالثة تسمى أسلوب السلطات المشتركة، ويعاب عليها انه لا يمكن للمشرع مهما بلغ من الدقة وسعة الأفق حصر جميع الاختصاصات التي تمنح لكل ممن حكومة الاتحاد والحكومات المحلية، وانه حتما تظهر في المستقبل اختصاصات جديدة لم ينص عليها الدستور تصبح موضع إشكال في تحديد جهة اختصاصاتها.
2)    وجود دستور مكتوب للنظام الفيدرالي: إن توزيع الاختصاصات والسلطات بين الحكومة الاتحادية المركزية والحكومات المحلية يقتضي وجود دستور مكتوب يتضمن تقسيم وتوزيع السلطات بصورة دقيقة ومحددة وثابتة وغير قابل للاختلاف والالتباس عند التطبيق العملي.
3)    ثنائية السلطة التشريعية الاتحادية: من ابرز خصائص الأنظمة الفيدرالية أن يتكون البرلمان الاتحادي من مجلسين، وهو أسلوب يتلاءم وطبيعة التكوين القانوني والسياسي للدولة الفيدرالية ويحقق المساواة بين الأقاليم بحيث لا يطغى سلطة على أخرى، سواء سلطة الدولة الاتحادية المركزية أو سلطة إقليم على آخر.
4)    وجود محكمة دستورية: وهي محكمة تنشأ بموجب الدستور الاتحادي ويكون مقرها عاصمة الاتحاد ولها فروع في الأقاليم أو الولايات، وتعتبر أحكامها وتفسيرها للدستور ملزماً لكافة جهات الدولة الفيدرالية، وتتولى الفصل في منازعات الاختصاص والسلطة التي قد تنشأ بين حكومة الاتحاد المركزية والحكومات المحلية، أو بين الحكومات المحلية بعضها بعض.
5)    عدم قدرة الحكومات المحلية على الإبطال أو الانفصال: الإبطال يعني أنه ليس من حق حكومة محلية إبطال القوانين الاتحادية، والانفصال يعني أنه ليس من حق حكومة محلية تقرير الانفصال من الاتحاد من جانب واحد.
خامساً: مبادئ النظام الفيدرالي:
1)    مبدأ الاستقلال الذاتي: ويتجلى في:-([6])
‌أ.       الاستقلال الدستوري: ويقصد به أن تكون للحكومات المحلية هيئاتها الدستورية الخاصة بها، وتباشر اختصاصاتها وفقاً لذلك، ولا يحق للهيئات المركزية تعيينها أو عزلها أو توجيهها.
‌ب.  استقلال السلطة التشريعية: ويقصد به وجود سلطة تشريعية مستقلة تتولى التشريع في نطاق الحكومة المحلية وفي المسائل المسموح لها بالتشريع فيها وفقاً لأحكام الدستور والقانون.
‌ج.    استقلال السلطة التنفيذية: ويقصد به ممارسة السلطة التنفيذية في الإقليم اختصاصاتها باستقلالية ودون الخضوع لرقابة وتوجيه السلطة الفيدرالية المركزية.
‌د.      استقلال القضاء: ويقصد به أن القضاء الإقليمي مستقل وقراراته باتة وغير قابلة للطعن في المحاكم الاتحادية.
‌ه.   الاستقلال المالي للحكومات المحلية: ويقصد به أن يكون لكل حكومة محلية موازنتها الخاصة والمستقلة عن الموازنة الفيدرالية، وتتمتع باستقلال في رسم سياستها المالية وتنفيذ موازنتها.
2)    مبدأ المشاركة: ويقصد به أن الحكومات المحلية تأخذ دورا فاعلا في تكوين المؤسسات المشتركة وتسهم بفاعلية في صنع قرارات السلطة الفيدرالية، ويفرض مبدأ المشاركة وجود مجلس ثاني في البرلمان الاتحادي مؤلف من ممثلين منتدبين عن الأقاليم إلى جانب المجلس المنتخب من الشعب وبموجبه تتحقق المساواة بين الأقاليم بحيث لا تطغى سلطة على أخرى.([7])
3)    مبدأ وحدة الدولة داخلياً وخارجياً: إن غاية الفيدرالية بناء دولة جديدة وفق تنظيم قانوني وسياسي يبرز الدولة الفيدرالية على المستوى الداخلي في شكل وحدة الشعب والجيش والإقليم والجنسية وطبيعة العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم، وعلى المستوى الدولي تبرز الدولة الفيدرالية كوحدة واحدة مركزية لها شخصية اعتبارية دولية أمام القانون الدولي ولها سلطة التمثيل الدبلوماسي وإبرام المعاهدات وإعلان الحرب.
سادساً: تصنيفات وأنواع الفيدرالية: ([8])
1)    الفيدرالية التعاونية: وفيها تتشارك الحكومة الفيدرالية وحكومات الأقاليم المسئولية في الخدمات لضمان عمل البرامج الوطنية في أنحاء البلاد، ومن الدول التي تعتمد هذا النوع، أثيوبيا وألمانيا وجنوب إفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية واستراليا وكندا.
2)    الفيدرالية التنافسية: وفيه تتنافس الحكومات المكونة للفيدرالية على عرض خدماتها العامة من اجل تحسين الكفاءة والفعالية والاقتصادية بما يخدم تطبيق السياسة العامة وجذب الاستثمارات الأجنبية، ومن الدول التي تعتمد هذا النوع بلجيكا واستراليا والبرازيل وسويسرا.
3)    الفيدرالية المتجانسة: وهي نوعين، الأول: يقوم على تركيز وزيادة سلطات الحكومة المركزية على المناطق والوحدات المحلية، وذلك لعدم قدرة الأقاليم على ممارسة إحدى مسئولياتها الحكومية كالتشريع مثلاً، وجد مثل هذا النوع في الهند في بداية تأسيس الاتحاد الفيدرالي بحيث عملت الحكومة الفيدرالية على مساعدة بعض الولايات الأقل تطوراً واستمر ذلك خلال فترة بناء هذه الولايات لقدراتها، والنوع الثاني: فيتمثل في تنازل الحكومة الفيدرالية عن بعض السلطات والصلاحيات لبعض الولايات، وهذا النوع تطبقه ماليزيا عملياً من خلال ما قامت به الحكومة الماليزية من تنازل لولايتي صباح وسرواك عن مجموعة من الصلاحيات التي عادة ما تكون تابعة للحكومة الفيدرالية، وبالمثل حالة الشيشان في روسيا وكشمير في الهند وكيبيك في كندا.
4)    الفيدرالية الاختيارية: وفيها تستمد الحكومات المحلية سلطاتها وصلاحياتها من الحكومة الاتحادية المركزية كنظام وحدوي، ومن الدول التي تعتمد هذا النوع النمسا وماليزيا والمكسيك وروسيا.
5)    الفيدرالية المزدوجة: يتميز هذا النوع بالفصل التام بين مستويات الحكومة بمعنى أن كل مستوى لديه تخصيص صلاحيات دستورية قصراً لمجالات مختلفة على احد مستويي الحكومة، ويمنح لكل مستوى من مستويات الحكومة أن يسن القوانين، وهذا النوع غير منتشر كثيراً، لكن توجد في كندا وبلجيكا واستراليا سلطات متزامنة.


سابعاً: الفيدرالية في مخرجات الحوار الوطني:

من خلال الاطلاع على وثيقة الحوار الوطني الشامل يظهر أن عدداً من المخرجات وردت بشكل مكرر ومتشابهاً في اللفظ أو المعنى، وذلك نتيجة ورودها ضمن محاور مختلفة من الوثيقة، وكان لزاماً إعادة ترتيب المخرجات وفق تصنيف موضوعاتي وصدرت في ستة كتيبات، حمل الكتيب الأول أسس بناء الدولة المدنية الحديثة، وتضمنت محتوياته كل ما يتصل ببناء الدولة وفقاً للتقارير النهائية التي تضمنتها وثيقة الحوار الوطني الشامل.
وفي هذا المبحث سوف نستعرض أهم الموضوعات المتصلة بالفيدرالية والتي خرج بها مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وذلك على النحو التالي:
أولاً: أسس بناء الدولة اليمنية وسلطاتها في مخرجات مؤتمر الحوار :([9])
وضع الحوار الوطني بنية وهيكل الدولة اليمنية الاتحادية ونظامها السياسي وملامح سلطاتها التشريعية والقضائية ومؤسساتهما إضافة لشكل الدولة ونظامها الإداري ومستويات الحكم فيها وفيما يلي النصوص الواردة في هذا المحور:
أ‌-     هوية الدولة:
1-  اسم الدولة: جمهورية اليمن الاتحادية.
اليمن دولة اتحادية، مدنية، ديمقراطية، مستقلة ذات سيادة، تقوم على المواطنة المتساوية، وإرادة الشعب، وسيادة القانون، وهي جزء من الأمة العربية، والإسلامية.
2-  اللغة: اللغة العربية، مع الاهتمام بتطوير اللغة المهرية والسقطرية.
3-  الانتماء: اليمن دولة عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة, وهي وحدة لا تتجزأ ولا يجوز التنازل عن أي جزء منها, والشعب اليمني جزء من الأمتين العربية والإسلامية.
4-  مصدر السلطة: الشعب مالك السلطة ومصدرها ويمارسها بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء والانتخابات العامة كما يزاولها بطريقة غير مباشرة عن طريق الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
5-  مصدر التشريع: الشريعة الإسلامية مصدر التشريع، والاجتهاد في تقنين الشريعة مكفول حصراً للسلطة التشريعية.
6-  دين الدولة: الإسلام دين الدولة.


ب‌-  نظام الحكم والنظام السياسي:
1)    نظام الحكم رئاسي، تتم مراجعة النظام بعد دورتين انتخابيتين وتتم دراسة الحاجة وإمكانية الانتقال إلى نظام برلماني وفق إجراءات تعديل الدستور.
2)    يقوم النظام السياسي للدولة على أساس التعددية السياسية والحزبية بهدف التداول السلمي للسلطة ويجرم تغيير النظام السياسي أو العمل على تحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية بالعنف والقوة المسلحة أو الانقلابات العسكرية.
3)    يقوم النظام السياسي للدولة على أساس مبدأ الفصل بين السلطات.
ثانياً: سلطات الدولة:
1-  السلطة التشريعية: تتكون السلطة التشريعية من الآتي:
‌أ)       مجلس النواب: يتكون من عدد(...) نائباً، يجري انتخابهم بالاقتراع السري الحر والمباشر وفقاً لنظام القائمة النسبية المغلقة.
‌ب)  المجلس الاتحادي: يتكون المجلس الاتحادي من عدد لا يزيد عن نصف عدد أعضاء مجلس النواب، يتم انتخابهم جميعاً بالاقتراع السري الحر والمباشر بنظام القائمة النسبية على مستوى الإقليم، وبالتمثيل المتساوي بين الأقاليم.
‌ج)    الجمعية الوطنية: وتتكون الجمعية الوطنية من الاجتماع المشترك لمجلس النواب والمجلس الاتحادي.
2-  السلطة القضائية:
‌أ-     مجلس القضاء الأعلى.
‌ب-  المحكمة الدستورية.
‌ج- القضاء الإداري.
3-  شكل الدولة والنظام الإداري ومستوياته:
بناءً على توافق جميع المكونات السياسية والاجتماعية في مؤتمر الحوار الوطني تم الاتفاق على دستور يُرسي أسس دولة يمنية جديدة، ذات صفة اتحادية وقد خلصت لجنة تحديد الأقاليم إلى دولة اتحادية من ستة أقاليم اثنين في الجنوب وأربعة في الشمال وفيما يلي أسس النظام الإداري ومستويات الحكم فيها.



أ‌-     النظام الإداري:
1.    أسس التنظيم الإداري في الدولة الاتحادية:
‌أ)       تُناط بكلّ مستوى من مستويات الحكم، السلطات والمهام والمسؤوليات بشكل حصري أو تشاركي، لخدمة المواطنين بالطريقة الأفضل والأقرب، ولدى كل مستوى من مستويات الحكم سلطات وموارد كافية لأداء مهامه بفاعلية، ويتحمّل حصة عادلة من المسؤوليات المشتركة.
‌ب)  يحدّد الدستور في الدولة الاتحادية توزيع السلطات والمسؤوليات بوضوح، ولا تتدخل السلطة المركزية في صلاحيات السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والإدارية لمستويات الحكم الأخرى في نطاق مسؤولياتها الحصرية، إلا في ظروف استثنائية ينص عليها الدستور والقانون، بهدف ضمان الأمن الجماعي والمعايير المشتركة الرئيسة أو لحماية سلطة إقليمية من تدخل سلطة أخرى.
‌ج)    تكون السلطات غير المُسندة إلى السلطة الاتحادية من صلاحية مستويات أخرى من الحكم، وفق ما ينص عليه الدستور الاتحادي، وتفصل الهيئة القضائية المختصّة، التي ينص عليها الدستور الاتحادي، في أيّ تنازع حول اختصاصات الحكومة المركزية والأقاليم والولايات.
‌د)      يتمتع كلّ مستوى من مستويات الحكم، المركز والإقليم والولاية، بسلطة تنفيذية وتشريعية (وتمثيلية في الولاية) وإدارية ومالية مستقلة يحدّدها الدستور، بما فيها سلطة مناسبة لجباية الضرائب.
2.    تقوم الحكومة الاتحادية بأداء وظيفتها الإدارية عبر نظام إداري مركزي، تدير من خلاله جميع الوظائف الإدارية الاتحادية من توجيه وتخطيط ورقابة وتنسيق، ويكون لها فروع تسهل عملها بحسب الحاجة.
3.    تعتمد سلطات الأقاليم المكونة للدولة الاتحادية نظام اللامركزية الإدارية بشقيه الأساسيين: اللامركزية الإقليمية واللامركزية المرفقية، في إدارتها لشؤون الإقليم.
4.    بمقتضى أحكام الدستور تقسم أراضي الإقليم إلى وحدات إدارية محلية محددة تسمى محافظات أو بلديات أو مدن، ومديريات ، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية.
5.    يكون للوحدات الإدارية مجالس منتخبة، تتولى الإشراف وإدارة شؤون هذه الوحدات توجيهاً وتخطيطاً ورقابة باستقلال تام في القرار المالي والإداري، وتخضع في أداء مهامها لرقابة حكومة الإقليم.
6.    يبين القانون الإقليمي كيفية انتخاب رئيس وأعضاء هذه المجالس في جميع الوحدات، ويحدد اختصاصاتها والعمل المشترك بينها وبين الحكومة الإقليمية.
7.    يمنح القانون الإقليمي بعض المرافق والمصالح العمومية الحيوية، الشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي.
8.    لا مركزية النظام الإداري والمالي وإتباع مبادئ وأسس الحكم الرشيد.
ب‌- الهيئات الوطنية المستقلة:
هي جزء من أجهزة الدولة الرسمية والتي ينبغي أن تكون بعيدة عن تدخل جهاز الدولة التنفيذي والتغيرات السياسية لتعمل بشكل مؤسسي ومنضبط لصالح الشعب ودفاعاً عن حقوقه وتراقب أداء مؤسسات الدولة ومواردها وقد أقرت الوثيقة الوطنية منح هذه الهيئات الاستقلالية بنصوص تضمن عدم الالتفاف على حيادية هذه المؤسسات والتأثير عليها وعدم إخضاعها كي تلعب دور هاماً في ضمان قيم الديمقراطية والشفافية والحكم الرشيد.
ثالثاً: مخرجات لجنة تحديد الأقاليم:
بناء على القرار الجمهوري رقم (2) لسنة 2014م بشأن تشكيل لجنة تحديد الأقاليم والذي حدد مهامها بالقيام بدراسة وإقرار خيار ستة أقاليم – أربعة في الشمال واثنان في الجنوب وخيار إقليمين وأي خيار ما بين هذين الخيارين يحقق التوافق ويكون قرارها نافذاً، كما وتقوم اللجنة بتحديد عدد الأقاليم والولايات (المحافظات) التي سيتشكل منها كل إقليم مع مراعاة الواقع الحالي والتجاور الجغرافي وعوامل التاريخ والثقافة، وحدد القرار انه وبنهاية المهمة تقدم اللجنة تقريرها النهائي إلى لجنة صياغة الدستور وتحدد فيه عدد الأقاليم والولايات (المحافظات) التي يتكون منها كل إقليم، ليتم النص عليها في الدستور.
اعتمدت اللجنة على المبادئ التي تم التوافق عليها في وثائق وأدبيات مؤتمر الحوار وهي كالآتي:
1.    تمتع المواطنين اليمنيين بكافة الحقوق والواجبات بما يحقق المواطنة المتساوية.
2.    التنافس الإيجابي بين الأقاليم.
3.    التكامل الذي يضمن توظيف كفؤ لموارد كل إقليم والتكامل مع الأقاليم الأخرى.
4.    التجانس لضمان الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لتلبية احتياجات الشعب في حياة كريمة.
5.    يتمتع كل مستوى من مستويات الحكم بصلاحيات تحدد في الدستور في إطار الدولة الاتحادية.


‌أ-     تحديد عدد الأقاليم:
بناء على مجموعة المعطيات والرؤى السياسية التي تم نقاشها وبعمق خلال فترة انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل وتحقيقا للمبادئ التي أقر اليمنيون الاعتماد عليها لإنشاء الدولة الاتحادية التي تهدف لضمان الشراكة العادلة في الثروة والسلطة وللحفاظ على الأمن والسلم الاجتماعيين والتأكيد على وحدة وأمن واستقرار اليمن فقد توافق معظم أعضاء اللجنة على اعتماد خيار الستة الأقاليم بحيث يكون هناك إقليمين في الجنوب وأربعة أقاليم في الشمال.
واعتمدت اللجنة على المعايير الآتية:
- القدرة الاقتصادية وإمكانية تحقيق كل إقليم للاستقرار الاقتصادي.
- الترابط الجغرافي.
- العوامل الاجتماعية والثقافية والتاريخية.
‌ب-  تحديد الولايات (المحافظات) التابعة لكل إقليم وتسمية الإقليم وتحديد عاصمته:
الأول: اسم الإقليم: حضرموت، الولايات: المهرة، حضرموت، شبوة، سقطرى، عاصمة الإقليم: مدينة المكلا.
الثاني: اسم الإقليم: سبأ، الولايات: الجوف – مأرب – البيضاء، عاصمة الإقليم: مدينة مأرب.
الثالث: اسم الإقليم: عدن، الولايات: عدن– أبين– لحج– الضالع، عاصمة الإقليم:مدينة عدن.
الرابع: اسم الإقليم: الجند، الولايات: تعز- إب، عاصمة الإقليم :مدينة تعز
الخامس: اسم الإقليم: آزال، الولايات: صعدة- عمران- صنعاء– ذمار، عاصمة الإقليم: صنعاء.
السادس: اسم الإقليم: تهامة، الولايات: الحديدة- ريمة- المحويت- حجة، عاصمة الإقليم: مدينة الحديدة.
واتفق على أن تكون كلاً من:
1-   أمانة العاصمة صنعاء: مدينة اتحادية غير خاضعة لسلطة أي إقليم ويتم وضع ترتيبات خاصة بها في الدستور لضمان حياديتها واستقلاليتها.
2-   مدينة عدن: مدينة إدارية واقتصادية ذات وضع خاص في إطار إقليم عدن وتتمتع بسلطات تشريعية وتنفيذية مستقلة تحدد في الدستور الاتحادي.
‌ج-  الأحكام العامة:
1)    تُشكل الحدود الحالية للمحافظات «الولايات » المنضوية في كل إقليم إجمالي حدود الإقليم.
2)    يجب أن يتضمن قانون الأقاليم إمكانية مراجعة الحدود الداخلية الحالية المكونة لكل إقليم وتوزيعه الإداري وفقاً لضوابط محددة بعد دورة انتخابية أو أكثر ويُنظم بقانون تصدره السلطة التشريعية لكل إقليم.
3)    يجب أن يحدد قانون الأقاليم أن حدود الأقاليم يمكن مراجعتها بعد دورة انتخابية أو أكثر وينظم ذلك بقانون اتحادي.
4)    لضمان الشراكة الحقيقة في السلطة التشريعية لكل إقليم يجب ضمان تطبيق مبدأ التدوير في هيئة رئاسة المجلس التشريعي، كما يجب ضمان التمثيل العادل لكل ولاية في البرلمان الاتحادي.
5)    لضمان الشراكة الحقيقية في السلطة التنفيذية لكل إقليم يجب ضمان عدم سيطرة ولاية بعينها على التشكيل الحكومي في الإقليم.
6)    لضمان التوزيع العادل لعائدات الثروة يصاغ بالتشاور مع الأقاليم والولايات معايير ومعادلة لتوزيع عائدات الموارد الطبيعية وغير الطبيعية بطريقة شفافة وعادلة لجميع أبناء الشعب مع مراعاة حاجات الولايات والأقاليم المنتجة بشكل خاص وتخصيص نسبة من العائدات للحكومة الاتحادية.
7)    ضمان حرية الاتجار والنشاط الاقتصادي بما يعزز التكامل بين الأقاليم، وتيسير حركة المواطنين والبضائع و السلع والأموال والخدمات بشكل مباشر أو غير مباشر وعدم فرض أي حواجز أو عوائق أو قيود جمركية أو ضريبية أو إدارية عند مرورها من إقليم لآخر.
8)    لكل إقليم دور قيادي في تنميته الاقتصادية وتضمن الدولة الاتحادية ظروف معيشية متكافئة في جميع الأقاليم عبر تعزيز قيم التعاون والتضامن بين الأقاليم.
رابعاً: ثغرات تؤخذ على مؤتمر الحوار: ([10])
لا يختلف أحد مع أن فكرة الحوار مقصد إنساني نبيل ووسيلة حضارية لوضع الرؤى وتقديم التصورات لحل الأزمات التي تواجه البلاد وإقرار الخطوط العريضة للمستقبل، ولا يبتعد مؤتمر الحوار الوطني الشامل عن هذه الفكرة فقد كان اجتماع لممثلين عن قوى مختلفة متفقة حينا ومتناقضة أحياناً أخرى، تم من خلاله إتاحة الفرصة لكافة المكونات والفصائل الممثلة في المؤتمر من طرح رؤاها وتقديم مطالبها، الأمر الذي سيجعل تلك المكونات والفصائل مُطَالبة بتنفيذ التزامات ونتائج مخرجات هذا الإجماع، إلا انه يظل هناك بعض الثغرات التي تؤخذ على مؤتمر الحوار ابتداء من تشكيله وانتهاء بمخرجاته، هذه الثغرات لا تقلل من قيمته الوطنية أو من النتائج والمخرجات التي توصل إليها ويمكن توضيح هذه الثغرات على النحو التالي:
1)    المكونات المشاركة في الحوار تم تحديدها ودعوتها بل واختراع بعضها وفقاً لإرادة وتقدير الرئيس الانتقالي وقادة الأحزاب الموقعة على المبادرة، وهذا مؤشر إلى أن الحوار لا يمثل إرادة شعبية كاملة ورغبة وطنية خالصة، في ظل الدولة الديمقراطية.
2)    مؤتمر الحوار جاء كمؤسسة غير دستورية منح مهام وصلاحيات تزيد عن مهام المجلس التشريعي المنتخب بارادة شعبية، أي ان الحوار ونتائجه تعتبر مصادرة لحق من حقوق الشعب في تقرير مصيره، خصوصاً ان أعضاء مؤتمر الحوار تم اختيارهم وفقا لتوافق ومحسوبيات وليسوا منتخبين من قبل الشعب بقدر كونهم ممثلين لقوى سياسية وكيانات بعضها لا يمتلك أي مؤهلات وطنية وبعضها مرتهنة للخارج وبعضها فرض نفسه بقوة السلاح.
3)    المتحاورون لا يناقشون نظام الحكم أو طبيعته وطرائق إدارة الدولة وتقاسم السلطة فقط، بل يناقشون أموراً جذرية لا يتغير إلا في حالات نادرة الحدوث، وهو شكل الدولة ذو الصلة بوجود الدولة ووحدتها.
4)    تم تقزيم قوى التغيير كأبرز صانع للتحول، وأصبح من يجني ثمار التغيير ويقرر مصير البلاد هي القوى والجماعات الجهوية والماضوية والانفصالية والمسلحة وجميعها لا تعترف بالدولة الوطنية المدنية الحديثة، وتتصادم مصالحها مع المصالح العليا للبلاد، وتحولت الثورة إلى احد مكونات الحوار ممثلاً ب(40) عضواً تم اختيارهم بطرق محسوبية وبتوصيات مراكز القوى وأمزجة بعض الدوائر التي قامت الثورة ضدها.




[1] . علي قوق، إدارة الأقاليم والتجارب المستفادة عربياً –حالة ماليزيا-، رسالة ماجستير في العلوم السياسية غير منشورة، جامعة قاصدي مرباح- ورقلة، الجزائر،  2010م، ص16.
[2] . جورج اندرسون، مقدمة عن الفيدرالية (ما هي الفيدرالية؟ وكيف تنجح حول العالم؟)، ترجمة مها تكلا ، منتدى الأنظمة الفيدرالية، 2007م، ص6.
[3] . علي قوق، مرجع سابق، ص13.
[4] . رياض علي الأحمدي، الفدرالية في اليمن، مركز نشوان الحميري للدراسات والإعلام – صنعاء 2013م، ص18.
[5] .  عبد المنعم احمد أبو طبيخ، توزيع الاختصاصات في الدولة الفيدرالية، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير في القانون العام غير منشورة، الأكاديمية العربية المفتوحة، الدنمارك، ص39.
[6] . علي قوق، مرجع سابق، ص39.
[7] . المرجع السابق، ص43.
[8] . علي قوق، مرجع سابق، ص20.
[9] . مؤتمر الحوار الوطني الشامل، أسس بناء الدولة المدنية الحديثة، الكتاب الأول، سلسلة كتيبات الحوار الوطني، 2014م، ص14.
[10] . رياض الأحمدي، مرجع سابق، ص106.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق